الزحف الصليبي على مصر

الخطر تحت الجلد كما عبَّر عنه حازم مع محمود الروراوي على قناة العربية من عام ونصف ولم يُفصِح أكثر من هذا؛ ولكنني أجد نفسي مضطر للبوح به بعد تفوّه الصليبي الذي أعلن انتصار الصليبية وهو ينعي الأندلس أمس عبر جلوس أجسام من خشب لا تعقل ما تسمع ولا تعي.

انصروا الله ولا تنصروا مرسي.

انصروا الإسلام ولا تنصروا الإخوان.

انصروا مصر ولا تنصروا أمريكا وإسرائيل.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:135].

بعد فشل الحملات الصليبية العسكرية على بلاد المسلمين لعِظَم تكلفتها، تجدَّدت الوسائل لتصل لنفس النتيجة في ظل الانهيار الاقتصادي الغربي، والأمريكي على وجه الخصوص، وغياب الوعي، وحكام خونة لبلدانهم متورطون لآذانهم ومكبَّلون لسيدهم الغربي من يؤمِّن لهم المناصب والسلاح.

هل من مجيب ومستجيب للحقيقة اليوم؟

هل يعود النور والإخوان وكل المسلمين والعوام على قلب رجلٍ واحدٍ بعيدًا عن مكاسب سياسية قبل الخسارة المؤكدة؟

الحقيقة خلف الحروب والثورات:

وما الثورات والحروب إلا لغرضٍ واحدٍ، وعنوان خفي حتى لا تظهر الحقيقة إلا بعد انقضاء الغرض.

وتكون وقائعه على الأرض راسخة وتكتسب مراكز قانونية فيما بعد، وبحسب مبدأ الاعتراف بالوقائع على الأرض، والذي اعتمده المشرِّعون فيما بعد عام 1945م بعد عصبة الأمم وهو ما تم سنَّهُ؛ ليحافظ على مكاسب المنتصرين في الحرب العالمية الثانية.

المعارك تحت ظلال المعارك:

المعارك الحقيقة يُخفي صَُّناعُها حقيقتها تحت عناوين معارك أخرى، مثل "الحرب على الإرهاب" في أفغانستان، و"أسلحة الدمار الشامل في العراق"، و"الثورات العربية".

لقد جعلوا لكم ضحايا وقتلى ومصابين وسبايا وأسرى بعد الانقلاب لتظل العناوين المتداولة عناوين تجب بها استفتاءات ودساتير، أو عناوين حقوقية وطائفية، أو غيرها من مصادرة أموال وممتلكات وإغلاق مؤسسات، حتى لا ينتبه أحد للحقيقة من كثرة الجراح وتتشعب بكم السبل.

والحقيقة هي حرب صليبية كاملة الأركان مستوفية النتائج إلى اليوم، وفي مصر نحن نواجه زحف صليبي على مؤسسات الدولة، وتشريعاتها، وقيمها، وأعرافها، حقيقة تحت الفراغ الناشئ بغياب الخطاب الإسلامي والمعارك الجانبية، والكل يُحطِّم الكل على حساب المقاصد الكبرى، ومساحة الإسلام تنحسِر في ظل مناخ حرب الإرهاب والثورة.

وكل هذا مرجعه تقديم عدة مرجعيات، والتحزُّب، والمصالح الفئوية، والخيانة من فصيل بصرف النظر عن المؤسسات الحكومية الدينية والتي كانت ساقطة بالأساس من القضاء الشرعي في مصر، والوقائع المادية أصبحت لا تُعد ولا تُحصى تُدلِّل على هذا، ولا يستطيع إنكارها حتى العوام بقليل من التفكير وربط الحوادث ببعضها، وها قد بدأت الوفود تترا لتقدم الولاء لحكم العالم العربي عبر القاهرة.

وعندما يعتلي الصليب عرش مصر:

تواضروس الثاني يستقبل وفدًا من دولة الكويت:

"استقبل تواضروس الثاني بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية يوم الأحد الموافق 12 يناير 2014م وفدًا من دولة الكويت.

برئاسة معالي الشيخ علي جرَّاح الصباح ـ نائب وزير شئون الديوان الأميري-.

ومعه سعادة السفير سالم الزمانان ـسفير دولة الكويت-.

وسعادة السيد خالد بهبهاني ـوكيل مساعد مكتب نائب وزير الشئون الأميري-.

وسعادة الدكتور عصام الفليج -الأمين العام للجنة الشريعة-.

وسعادة السيد سامي المضف -مدير إدارة المراسم الأميرية-.

والشيخ وضاح الصباح -إدارة مكتب نائب وزير شئون الديوان الأميري-.

وقد حمل معالي الشيخ علي جرَّاح الصباح رسالة من سمو أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، تتضمن دعوة قداسة البابا لزيارة الكويت والتي سوف يتحدَّد موعدها فيما بعد. وفي أثناء الزيارة عبَّر معالي الشيخ علي جرَّاح الصباح عن تقديره للكنيسة القبطية، وعلى دورها الوطني، وكذلك مساندته لشعب مصر العظيم في ثورته. وقد حضر اللقاء: القمص بيجول السرياني، والقس أنجيلوس إسحق، والقس أمونيوس عادل من سكرتارية قداسة البابا".

ولابد من فهم حقائق لازال العالم الإسلامي وعلماءه لا يدركون أنه لم يعد ما يُحدِّد دين الدولة دستور، ولا مؤسسات مجتمعية، ولا حكومية، ومن يدَّعي هذا كاذب، ولقد تطورت المفاهيم والمصطلحات والبحث في مناط المسألة وتغيرت تغيرًا كليًا لمثل يوم النجاشي رحمه الله.

وأصبح دين الدول اليوم من يُحدِّده عقيدة البندقية والسلاح وليس الأفراد والكيانات وهذا التطور منذ 1945م تدشنه تشريعات ومعاهدات دولية، وتطور حتى بلغ اليوم من يُحدِّد دين الدول مصانع السلاح، وما يُملي في عقود شرائها، وتُحدّد مجال استخدامها ولا زال التطور يزحف وينتقل من موقع لموقع ونحن نبحث مناطات للحكم عفى عليها الزمن، فقد كان عقيدة من يحمل السلاح هي المناط الحاكم للدولة، واليوم عقد استخدام السلاح ومجالاته هي من تُحدِّد دين الدولة، ولو كتبوا ملايين الدساتير التي تنفي هذا.

والمطروح هو العِلمانية وهذه حقيقتها وماهيتها ولا يغرنَّكم أنَّهم يعلنون أن العِلمانية والليبرالية محايدة مع المقدسات ولا تعاديها ولا تحاربها.

نعم لا تحاربها بصورة مباشرة ولكنها تهدمها بالقطعة وبالجزء، حقيقة الليبرالية هو "الإلحاد".

الليبرالية نواتها وصلبها وحقيقتها منذ "آدم سميث" هي: تعظيم الربحيَّة ولو بتحطيم المقدس، والقيم، والأعراف، والتقاليد، والعادات ولها أطوار متعددة كأي كائن حي، وأيديولوجيا واستبدال المقدّسات بالقيم الكميّة، والرقمية، والأعراف، والتقاليد، والعادات لأن المقدسات والأعراف والقيم والتقاليد حواجز ومعوِّقات لتعظيم الربحية، والنفاذ للأسواق وتمنع من الإنتاج الكبير والذي تتضاءل عنده التكلفة المتغيرة وهي المعضلة الحقيقية لديهم.

وتستخدم البدائل لها والجديد من القيم والأعراف والتقاليد كوسائل لتعظيم الربحية، وهي مشوار ومنهج مدروس، وله مراكز أبحاث في كل علوم الإنسان لهيمنة طبقة صغيرة من المجتمع والعالم للتحكم فيه عبر تبديل القيم وبصورة دورية كلما تم استنفاذ الغرض منها.

وهي ابتدعت الموديل والموضة، واستثمرت في الفنون والإبداع والبحث العلمي، وشجعت وكفلت تطور أنواع منه بالذات لتعظيم الربحية، ولمواكبة التطور والأغراض الأصيلة، والحقيقية لها؛ وفي سبيل ذلك لا يهمها لا إسلام ولا مسيحية ولا يهودية وتنشر كل ما يضيف للشك والريبة في كل شيء سوى القيم الكمية وفقط.

وأما قبول الآخر خدعة لنقل المخالف من حالة العِداء للهدنة ومن ثم تلبسه بالهدنة، وإعطاء مساحة للآخر ليتسرَّب في نفسك له حق ومساحة تأهيل للمجتمعات للقبول أو التشكيك في المقدسات والأعراف والقيم والعادات، وهو يوجه سهامه بطرح الشبهات، ومن ثم يُلبِّس على المجتمعات وتتزلزل المقدسات وغيرها، وتحوم حولها الشبهات وتحتل القيم الجديدة له كل مساحة تتخلى عنها المجتمعات وكل فراغ يملؤه غيره، حيث لا يتصور فراغ في أي حيز سواءً كان مادي أو معنوي، ودواليك حتى يصل العالم كله للإلحاد، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [إبراهيم:3].

صفوت بركات

 

المصدر: صفحة الكاتب على فيس بوك