العصا لمن عصى

العصا لمن عصى، لطالما سمعنا هذه العبارة ونحن في صفوف الدراسة ولكم كان يرعبنا منظر العصا وهي تنقل من يد إلى يد أخرى في فناء المدرسة، ولكن ما يحيرني هو أن العصا في بادئ الأمر انتقلت من يد المعلم إلى يد الإدارة المدرسية بين الوكيل والمدير والمرشد الطلابي وأصبح المعلم فقط هو الممنوع من الضرب، ولم تلبث مدة طويلة لكي تنزع العصا حتى من بين أيادي موظفي الإدارة المدرسية ليصبح العقاب بالعصا نسياً منسياً.

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق - المناهج الدراسية -

العصا لمن عصى، لطالما سمعنا هذه العبارة ونحن في صفوف الدراسة ولكم كان يرعبنا منظر العصا وهي تنقل من يد إلى يد أخرى في فناء المدرسة، ولكن ما يحيرني هو أن العصا في بادئ الأمر انتقلت من يد المعلم إلى يد الإدارة المدرسية بين الوكيل والمدير والمرشد الطلابي وأصبح المعلم فقط هو الممنوع من الضرب، ولم تلبث مدة طويلة لكي تنزع العصا حتى من بين أيادي موظفي الإدارة المدرسية ليصبح العقاب بالعصا نسياً منسياً، وبدأت عبارة العصا لمن عصى تزول وتنمحي تدريجياً وحضرت بالنيابة عنها عبارات أخرى كعبارة من أمن العقوبة أساء الأدب، وحينها بدأت صورة المعلم تهتز شيئا فشيئاً إلى أن أصبح المعلم مجرد مهرج في بعض المدارس وليس جميعها، يرمى بالطباشير، يحاول جاهداً أن يخرس أصوات الطلاب وأن يلفت انتباههم إلى الدرس ولكن لا حياة لمن تنادي، ولكن المفاجئة الكبرى التي لم تكن في الحسبان هي أن العصا عادت ولكن هذه المرة عادت في يد الطالب، فلقد كثرت في الآونة الأخيرة قصص ضرب المعلمين ليس من الطلاب فقط بل حتى من أولياء الأمور، هل لهذه الدرجة أصبح المعلم مهاناً، الطالب يهدده ويضربه ويأتي ولي الأمر ليكمل الناقص، الأدهى والأمر، من ذلك أنك حين تكتب عبارة تهديد معلم في متصفح البحث قوقل تجد أن بعض الطلاب يصورون منظر الرصاصة وهي واقفة بين أصابعهم وهم يشيرون نحو المعلم، هل هنالك أكبر وأكثر من هذا التهديد، قديماً كان الطالب يتغيب عن المدرسة إذا لم يقم بحل الواجب خوفاً من عقاب المعلم، واليوم يحصل العكس تماماً فمن يتغيب عن المدرسة هو المعلم خوفاً من أن يتعرض للضرب والقتل على يد الطلاب وأولياء أمورهم، إذا وصلنا لهذه المرحلة هل سوف نغلق المدارس ونجعل التعليم عن طريق الانترنت والمدرسين الخصوصيين، أم هل نحتاج لأن يكون التعليم غير مجاني لكي يدرك الطلاب وأولياء أمورهم أن هناك ثروة قد تكلفهم دماء قلوبهم مقابل تعليم هذه الأجيال، لأن مجانية التعليم أصبحت تجعل الطالب يذهب إلى نزهة يستعرض فيها عضلاته أمام أصدقاء الحارة أو أصدقاء القرية في الصف الدراسي، ولذلك لابد أن يكون لانتزاع العصا ثمناً على أولياء الأمور وطلابهم كما له ثمن على المعلمين وطاقم إدارة المدرسة، ولكن الثمن الذي أتحدث عنه هو ثمن القيم وإن كانت القيم ستزول فلا بأس أن يعاد التفكير فيها لكي تصبح من مجرد قيم إلى قيمة مالية، ربما هذا قد يكون آخر الحلول في رأي وزارة التربية والتعليم، ولكن إن كان ولي الأمر سوف يقوم بشراء الكتب المدرسية ويشارك المعلم في أفهام الدروس لأبنائه فأعتقد أن أولياء الأمور وأبنائهم سيعرفون قيمة المعلم الذي يقف طوال اليوم ليشرح ما في طيات الكتب التي في حقائب الطلاب، لنفكر فيها سوياً أليس المعلم هو الموظف الوحيد الذي لا ينتهي عمله بانتهاء الدوام الرسمي ويعود إلى المنزل ليذاكر ويراجع ويحضر ما سوف يقوله في اليوم التالي، أليست هذه حياة مملة التي يقوم بها من أجل لقمة العيش ومن أجل أبنائكم، إذاً فلما لا طالما أنه لن يكون هناك تأمين صحي على المعلم بعد تعرضه للضرب، ولن يكون هناك تأمين على روحه ولا حتى بدل خطر، ولا بدل سمعه من استهزاء الطلاب به فلما لا، الكتب المدرسية ترمى في سلة المهملات؛ لأنها توزع مجاناً ولا تباع فلما لا نأخذها من مستودعات وزارة التربية والتعليم ونعرضها للبيع في المكتبات هكذا سيشارك أولياء الأمور والطلاب المعلم في الذهاب للمكتبة، ومن سوف يشتري كتاب لابنه حتما سوف يقرأه فلا أحد يشتري كتباً ليلقي بها بين رفوف المكتبات دون قراءة، أيضاً لا أحد يدفع للمعلم ثمن الوسائل التعليمية التي يقوم بشرائها ليعرضها كأمثلة ونماذج للدرس، ولا أحد سيقوم بإصلاح سيارة زجاج معلم مكسور ولا أحد سيقوم بدفع ثمن كفن المعلم إذا توفي ومات.


علي حسن السعدني