عقد الوكالة

يعتبر عقد الوكالة من عقود التفويضات التي تتضمن تفويض الغير، وإطلاق يده في التصرف لعمل كان ممنوعًا عليه من قبل، ومثل عقد الوكالة: الطلاق، والإيصاء، والإذن للصبي بالتجارة. ولا شك أن الشريعة الإسلامية السمحة كلها عدل ورحمة، ومن رحمة الله تعالى بالعباد أن أجاز من المعاملات عقد الوكالة الذي كانت الحاجة داعية إلى جوازه، حيث إن الإنسان بطبعه لا يستطيع أن يعمل بنفسه في أمور كثيرة.

  • التصنيفات: فقه المعاملات -

يعتبر عقد الوكالة من عقود التفويضات التي تتضمن تفويض الغير، وإطلاق يده في التصرف لعمل كان ممنوعًا عليه من قبل، ومثل عقد الوكالة: الطلاق، والإيصاء، والإذن للصبي بالتجارة. ولا شك أن الشريعة الإسلامية السمحة كلها عدل ورحمة، ومن رحمة الله تعالى بالعباد أن أجاز من المعاملات عقد الوكالة الذي كانت الحاجة داعية إلى جوازه، حيث إن الإنسان بطبعه لا يستطيع أن يعمل بنفسه في أمور كثيرة.

 

التعريف بالعقد:

- العقد لغة: مصدر عقد الشيء يعقده عقدًا وتعاقدًا، فانعقد وتعقد، إذا شده، فانشد، فهو نقيض الحل، وهو في الأصل للحبل ونحوه من المحسوسات، ثم أطلق في أنواع العقود من البيوع والمواثيق وغيرها (1).

- العقد اصطلاحًا: مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمعناه اللغوي، حيث له تعريف خاص وعام، أما الخاص فهو: ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله (2)، وأما العام فهو: ما ألزم به المرء نفسه، ولا يشترط في هذا التعريف وجود طرفين في العقد (3).

 

التعريف بالوكالة:

- الوكالة لغة: الوَكالة والوِكالة بفتح الواو وكسرها، لها معان كثيرة، منها الحفظ، والتفويض تقول: وكلت فلان إذا استحفظته، ووكلت الأمر إليه: بالتخفيف إذا فوضته إليه (4).

- الوكالة اصطلاحًا: عرفت بعدة تعريفات، منها أنها: عقد يتم فيه تفويض شخص ما له فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته(5)، وقيل بأنها: استنابة جائز التصرف مثلَه فيما تدخله النيابة من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين (6).

 

مشروعية الوكالة:

أجمع فقهاء الأمة الإسلامية في كل العصور على مشروعية الوكالة معتمدين في ذلك على: القرآن الكريم، والسنة النبوية (7).

1) القرآن الكريم:

المعنى الأول: التفويض: والذي يدل على أن التفويض من معاني الوكالة، دلالة الكلمات التي جاءت في أسلوب أمر في قول الله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف:19].

المعنى الثاني: الحفظ: وكذلك مما دل على أن الحفظ من معاني الوكالة قول يوسف عليه السلام: (إني حفيظ) في قول الله عز وجل: {قالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55].

2) السنة النبوية:

عن جابر بن عبد الله أنه رضي الله عنه يحدث قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، وقلت له: إني أردت الخروج إلى خيبر، فقال: «إذا أتيت وكيلي بخيبر فخذ منه خمسة عشر وسقًا، فإن ابتغى منك آية، فضع يدك على ترقوته» (أخرجه أبو داود: 3632، واللفظ له، والبيهقي في السنن الصغرى: 2089).

 

- المعنى العام للحديث:

لقد دل هذا الحديث على جواز الوكالة، حين وكل النبي صلى الله عليه وسلم من يجمع له الأموال من البلاد التي فتحت عنوة، وصالح أهلها عليها، ومنها خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر حينما أراد الخروج إلى خيبر: «خذ من وكيلي خمسة عشر وسقا، فإن طلب منك آية -أي علامة أو دليلاً على الأخذ منه- فضع يدك على ترقوته».

 

- من مفردات الحديث:

- قوله صلى الله عليه وسلم: «خمسة عشر وسقًا»، والوسق: بفتح الواو على الأفصح، والجمع أوسق وأوساق، ووسوق (8)، والوسق: مكيلة معلومة، تقدر بستون صاعًا.. والصاع: أربعة أمداد، والمد: هو ضرب من المكاييل، يساوي ثمانية عشر لترًا تقريبًا (9).

- وقوله صلى الله عليه وسلم: «فضع يدك على ترقوته». الترقوة: عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق في أعلى الصدر وهما ترقوتان. والجمع: تراقٍ.. وبلغت الروح التراقي: كناية عن مشارفة الموت (10).

 

- ومن الأحكام التي تؤخذ من الحديث:

- اختلاف العلماء في وجوب الدفع من العامل لرسول أو إمام، وذلك على قولين:

القول الأول: قال بعض العلماء: لا يجب الدفع إلى الرسول؛ لاحتمال أن ينكر من أرسله.. وهذا قول الهادوية.

القول الثاني: قال بعض آخر: يجب التصديق بأمارة ونحوها ويدفع إلى الرسول، لكن له الامتناع من الدفع حتى يشهد عليه بالقبض.

- استحباب اتخاذ علامة بين الوكيل وموكله؛ لأنها أسهل من الكتابة، وقد يكون أحدهما ممن لا يحسن الكتابة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأن الخط قد يشتبه.

- ليست الوكالة خاصة بالمسافر أو المريض؛ بل إنها تقبل من الصحيح المقيم.

 

حكم الوكالة (11):

هي عقد جائز من الطرفين، ولكل منهما أن يتخلى عنها متى شاء، إلا إذا كان في ذلك ضرر على كل منهما، فحينئذ تكون عقدًا لازمًا في حق أحدهما.. ولأهمية هذا العقد كان على الإنسان أن يعلم أحكام الفقه قبل أن يوقع وكالة عامة أو خاصة، سواء كانت قابلة للعزل أو غير قابلة للعزل.

 

أركان الوكالة (12):

اعلم أن الوكالة عند جمهور الفقهاء لها ثلاثة أركان، وهي: العاقدان: (الموكل والوكيل)، والمعقود عليه: (محل الوكالة)، والصيغة: (الإيجاب والقبول)، وعند الحنفية أنها الصيغة فقط.

فإذا قلنا: إن الوكالة عقد في أن ينيب الإنسان غيره في أمر يقبل النيابة.. فيفهم من الأمر، أن الذي لا تقبل فيه النيابة لا تصح فيه الوكالة.. ولا غرو أن هذه الجزئية تحتاج إلى بيان أي الأعمال التي تجوز فيها الوكالة. وتفصيل ذلك يكون كالتالي:

1) أفعال تقبل الوكالة (النيابة) مطلقًا، أي: في حالتي العذر وعدمه، وهي: الأفعال المالية المحضة، مثل: تفريق الزكاة، والصدقات، والكفارات، ولحوم الأضاحي، وذبح النسك، وغيرها.

2) أفعال تقبل الوكالة (النيابة) بشرط العذر، وهي الأفعال التي تكون بدنية من ناحية، ومالية من ناحية أخرى، مثل: الحج والعمرة، وفيها تفصيل يطول ذكره.

3) أفعال لا تقبل الوكالة (النيابة) مطلقًا، أي: سواء أكان هناك عذر أم لا، وهي الأفعال الشخصية المحضة، كالأعمال القلبية، مثل: الإيمان بالله تعالى، ورسله، واليوم الآخر مثلا، وكذلك الأفعال البدنية المحضة، مثل: الصلاة، والصوم، والطهارة من الحدث، فهذه لا تجوز الوكالة (النيابة) فيها، سواء أكان الموكل قادرًا أم عاجًزا.

4) أمور تتعلق بحقوق الآدميين، وهذه منها: ما لا تقبل فيها الوكالة (النيابة) كالتي لها تعلق بشخص الفاعل؛ ومثالها: الحدود والقصاص، ومنها ما تقبل فيها الوكالة (النيابة) ومثالها: الوكالة التي لها تعلق بفعل الفاعل، من دفع خصومة عنه، أو أن يقوم عنه في الشراء والبيع... إلخ.

 

شروط الوكالة:

1) أن تكون الوكالة بشيء معين معلوم.

2) أن يكون الوكيل والموكل جائزي التصرف.

3) أن يكون التوكيل فيما تدخله النيابة.

4) أن يكون الوكيل معينًا.

5) أن يكون الوكيل أمينًا.

 

شروط الموكل:

بمعنى أن يكون الموكل مالكا للتصرف الذي يوكل فيه، لأن الوكالة يجب أن تنطلق من أن الموكل يملك موضوع الوكالة، فإذا لم يكن يملكها فلا تصح الوكالة حينئذ، لذلك نجد أن فاقدي الأهلية لا تصح وكالتهم، مثل: المجنون، والصبي غير المميز، بخلاف الصبي المميز، فصحة وكالته متوقفة على ما يعود عليه من النفع، أما إذا كانت الوكالة في مواضيع تضره، فهنا لا تجوز.

 

شروط الوكيل:

وهي أن يكون الوكيل عاقلاً.. فلو كان مجنونًا أو معتوهًا أو صبيًا غير مميز فلا تصح وكالته، بينما الصبي المميز عند السادة الأحناف توكيله جائز.

 

شروط الموكل فيه:

وشروط الموكل فيه في موضوع الوكالة يجب أن يكون معلومًا تمامًا، لكن يتساهل فيما كانت جهالته يسيرة، بخلاف ما إذا كانت جهالته فاحشة، كالعمل في المخدرات مثلاً... فلا تجوز الوكالة في هذه الصورة.

 

أنواع الوكالة:

ومن أنواعها: وكالة منجزة، ووكالة معلقة على شرط، ووكالة معلقة على زمن مستقبلي، وقد تكون وكالة مؤقتة، وذلك لوجود وكالة معينة في عمل معين، ووقت معين.

 

موضوعات الوكالة:

تكون موضوعات الوكالة في الأمور التالية: البيع، والشراء، وإثبات الدين، وإثبات العين، والإعارة، والخصومة، والتقاضي، والصلح، والهبة، والصدقة، والرهن... إلخ.

 

ضابط الوكالة:

وهو: أن كل عقد جاز أن يعقده الإنسان بنفسه، جاز أن يوكل فيه غيره... ومثاله: رمي الجمار في الحج، وتأدية الزكاة، وهذه أمور تتعلق بأفعال الموكل، ومتى ما دفعها الموكل إلى إنسان يثق به جاز ذلك، أما الوكالة بمحرم كالقتل مثلا، فلا تصح، وذلك لعدم امتلاك الموكل التصرف بها. فإذا قلنا: إن الموكل يجوز له أن يوكل من يثق به في عمل جائز.. فهل للوكيل أن يوكل غيره فيما أسند إليه نيابة عن الموكل؟ مع أن الموكل كان يثق في الوكيل نفسه، ولم يثق في غيره؟

وهذه المسألة تناولها الفقهاء في حالات ثلاثة، إليك بيانها:

الحالة الأولى: أن ينهَى الموكل وكيله عن التوكيل، والحال هذه: لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره.

الحالة الثانية: أن يأذن الموكل لوكيله في التوكيل، والحال هذه: يجوز للوكيل أن يوكل غيره.

الحالة الثالثة: أن يجعل الموكل الوكالة مطلقة، وتلك الحالة فيها تفصيل يطول بيانه في هذا الموضع، ومن يرد الاستزادة في هذه الحالة فلينظرها في مطولات كتب الفقه.

 

الوكالة بالتبرع أو بالأجرة:

تصح الوكالة بالتبرع، وكذلك بالأجرة.. فإن كانت الوكالة تبرعًا فهي خدمة يؤديها الوكيل، والحال هذه، لا يلزم الوكيل الإتمام، وإنما يمكنه الاعتذار، وإن كانت الوكالة مأجورة، فالأمر هنا ملزم بالنسبة للوكيل، ومن ثم لا يحق له أن يعزل نفسه، إلا بعد أن ينجز المهمة التي وكل بها. وقد اتفق الفقهاء على صحة الوكالة في هاتين الحالتين؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.. ودليل ما كان تبرعا ويعبر عنه بأنه بلا جعل هو: أنه صلى الله عليه وسلم قد وكل عروة بن الجعد في شراء شاة (أخرجه البخاري: 3642)، وأما ما كان بجعل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله لقبض الصدقات، ويجعل لهم جعلا (أخرجه البخاري: 1496).

 

انتهاء الوكالة بموت أحد المتعاقدين:

بمعنى إذا مات الوكيل أو مات الموكل تنتهي الوكالة؛ لأنها تعتمد على الحياة، فإذا انتفت الحياة انتفت صحتها، وذلك لانتفاء ما تعتمد عليه، وهو أهلية التصرف.

 

الهوامش:

(1) انظر: معجم مقاييس اللغة: (4/86)، تاج العروس: (8/394).

(2) انظر: البحر الرائق: (3/87)، حاشية الدسوقي: (3/4)، المهذب: (3/10)، المغني: (6/5).

(3) انظر: أحكام القرآن للجصاص: (2/416).

(4) انظر: مادة «وكل» في كل من: القاموس المحيط، لسان العرب، المصباح المنير.

(5) انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: (5/14).

(6) انظر: كشاف القناع: (3/461).

(7) انظر: تبين الحقائق: (4/254)، حاشية الدسوقي: (3/339)، نهاية المحتاج: (5/15)، المغني: (5/201).

(8) انظر: المعجم الوسيط.

(9) انظر: المعجم المغني.

(10) انظر: المعجم الوسيط.

(11) انظر: البحر الرائق: (3/87)، حاشية الدسوقي: (3/4)، المهذب: (3/10)، المغني: (6/5).

(12) انظر : المراجع السابقة نفسها.

 

صالح سالم النهام

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي- العدد 584