التصوف حركة دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري

الصُفة: حيث سموا بذلك نسبة إلى أهل الصفة، وكان لقباً أعطي لبعض فقراء المسلمين في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ممن لم تكن لهم بيوت يؤون إليها، فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ببناء فناء ملحق بالمسجد من أجلهم، وهذا يوضح ادعاء المتصوفة بربط التصوف بعصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه أقر النواة الصوفية الأولى، مع العلم أن أهل الصفة ما كانوا منقطعين عن الناس لأجل الزهد الصوفي.

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -

كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقاً مميزة معروفة باسم الصوفية. ولا شك أن ما يدعو إليه الصوفية من الزهد والورع والتوبة والرضا، إنما هي أمور من الإسلام الذي يحث على التمسك بها والعمل من أجلها، ولكن الصوفية في ذلك يخالفون ما دعا إليه الإسلام حيث ابتدعوا مفاهيم وسلوكيات مخالفة لما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، فالمتصوفة يتوخون تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله - تعالى - بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية. وقد تنوعت وتباينت آراء الناس وتوجهاتهم نحو تلك الحركة؛ لأن ظاهرها لا يدل على باطنها، ومن هنا تأتي أهمية طرحنا لهذا الموضوع الذي نجزم أنه يستحق أكثر من ذلك لتشعبه وصعوبة الإحاطة بأطرافه. فما هي الصوفية؟ ولماذا سميت بهذا الاسم؟ وكيف نشأت؟ ما هي عقيدتهم؟ وما موقف أهل السنة والجماعة منهم؟

- يخلط الكثيرون بين الزهد والتصوف، ومن هنا كان تأثر الكثيرين بالتصوف، فالزهد ليس معناه هجر المال والأولاد، وتعذيب النفس والبدن بالسهر الطويل والجوع الشديد والاعتزال في البيوت المظلمة والصمت الطويل، وعدم التزوج، لان اتخاذ مثل ذلك نمطاً للحياة يعد سلوكاً سلبياً يؤدي إلى فساد التصور، واختلال التفكير الذي يترتب عليه الانطواء والبعد عن العمل الذي لا يستغني عنه أي عضو فعال في مجتمع ما، كما يؤدي بالأمة إلى الضعف والتخلي عن الدور الحضاري الذي ينتظر منها.

من أين اشتق اسم الصوفية؟

لم يتفق الكتاب من المتصوفة وغيرهم في تحديد الأصل الذي يمكن إرجاع اشتقاق لفظ التصوف إليه، ولعل من أبرز ما ذكر عن مسمى التصوف ما يلي:

- الصُفة: حيث سموا بذلك نسبة إلى أهل الصفة، وكان لقباً أعطي لبعض فقراء المسلمين في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ممن لم تكن لهم بيوت يؤون إليها، فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ببناء فناء ملحق بالمسجد من أجلهم، وهذا يوضح ادعاء المتصوفة بربط التصوف بعصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه أقر النواة الصوفية الأولى، مع العلم أن أهل الصفة ما كانوا منقطعين عن الناس لأجل الزهد الصوفي.

- الصفاء: ومعناها: أن الصوفية صافية من الشرور وشهوات الدنيا، وهذا الاشتقاق غير صحيح لغوياً، فالنسبة إلى الصفاء: صفوي أو صفاوي أو صفائي وليس صوفياً.

- الصف الأول: بعض الصوفية ينسبون أنفسهم إلى الصف الأول من المؤمنين في الصلاة، وهذا التعبير بعيد عن سلامة الاشتقاق اللغوي بالنسبة إلى الصف: صفي لا صوفي.

- بني صوفة: بعضهم ينسبون الصوفية إلى بني صوفة، وهي قبيلة بدوية كانت تخدم الكعبة في الجاهلية.

- الصوف: وفي هذا يذهب غالب المتصوفة المتقدمين والمتأخرين إلى أن الصوفي منسوب إلى لبس الصوف، وحرص معظم الصوفية إلى رد اسمهم إلى هذا الأصل يفسر تشوفهم إلى المبالغة في التقشف والرهبنة وتعذيب النفس والبدن باعتبار ذلك كله لوناً من ألوان التقرب إلى الله. كما يرون أن لبس الصوف دأب الأنبياء - عليهم السلام - والصديقين وشعار المساكين المتنسكين.

نشأة الصوفية:

لا يعرف على وجه التحديد من بدأ التصوف في الإسلام، ويقال بأن التصوف أول ما ظهر كان في الكوفة بسبب قربها من بلاد فارس، والتأثر بالفلسفة اليونانية بعد عصر الترجمة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "أن أول من عرف بالصوفي هو أبو هاشم الكوفي سنة (150هـ)"، وقد بلغ التصوف ذروته في نهاية القرن الثالث، وواصلت الصوفية انتشارها في بلاد فارس ثم العراق ومصر والمغرب، وظهرت من خلالها الطرق الصوفية.

العقيدة الصوفية:

تختلف العقيدة الصوفية عن عقيدة الكتاب والسنة في أمور عديدة، من أهمها: مصدر المعرفة الدينية، ففي الإسلام لا تثبت عقيدة إلا بقرآن وسنة، لكن في التصوف تثبت العقيدة بالإلهام والوحي المزعوم للأولياء، والاتصال بالجن الذين يسمونهم الروحانيين، وبعروج الروح إلى السماوات، وبالفناء في الله، وانجلاء مرآة القلب حتى يظهر الغيب كله للولي الصوفي حسب زعمهم، وبالكشف، وبربط القلب بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث يستمد العلوم منه. وأما القرآن والسنة فإن للصوفية فيهما تفسيراً باطنياً حيث يسمونه أحياناً تفسير الإشارة ومعاني الحروف، فيزعمون أن لكل حرف في القرآن معنى لا يطلع عليه إلا الصوفي المتبحر، المكشوف عن قلبه.

عقيدة الصوفية في الله - تعالى -:

يعتقد المتصوفة في الله عقائد شتى، منها: "الحلول" الذي يعني: أن يكون الصوفي إلهاً ورباً يعلم الغيب كله كما يعلمه الله - سبحانه وتعالى -، حيث أن الهدف الصوفي هو الوصول إلى مقام النبوة أولاً ثم الترقي حتى يصل الفرد منهم في زعمهم إلى مقام الألوهية والربوبية.

البسطامي من أعلام القرن الثالث في التصوف ومن أئمة الصوفية يقول: "رفعني مرة فأقامني بين يديه، وقال لي: يا أبا يزيد، إن خلقي يحبون أن يروك، فقلت: زيني بوحدانيتك، وألبسني آنانيتك، وارفعني إلى أحديتك..." - تعالى - الله عما يقول علوا كبيراً، وتأكيد الصوفية على القول بالحلول التي جعلتهم يتشبهون بصفات الله جعلهم يصلون في النهاية إلى القول "بوحدة الوجود"، التي تعني في العقيدة الصوفية: أنه ليس هناك موجود إلا الله - سبحانه وتعالى - فليس غيره في الكون، وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة الإلهية. ويؤمن الصوفية بهذه العقيدة حتى يومنا هذا.

عقيدة الصوفية في الرسول - صلى الله عليه وسلم -:

يعتقد الصوفية في الرسول - صلى الله عليه وسلم - عقائد شتى، فمنهم: من يزعم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم، وأنه كان جاهلاً بعلوم رجال التصوف، كما قال البسطامي: "خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله"، ومنهم: من يعظم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى درجة الوصول إلى الألوهية، حيث يعتقد البعض من الصوفية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو قبة الكون، وهو الله المستوي على العرش، وان السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره، وأنه أول موجود وهو المستوي على عرش الله، وهذه عقيدة ابن عربي ومن جاء بعده.

عقيدة الصوفية في الأولياء:

يرى الصوفية أن الولي هو: "من يتولى الله - سبحانه - أمره فلا يكله إلى نفسه لحظة، ومن يتولى عبادة الله وطاعته، فعبارته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان"، وحقيقة الولي عند الصوفية أنه يسلب من جميع الصفات البشرية ويتحلى بالأخلاق الإلهية ظاهراً وباطناً، ويصل إلى المساواة مع الله - سبحانه وتعالى -، حيث تعتقد الصوفية في الأولياء بأن لهم القدرة على إنزال المطر وشفاء الأمراض وأحياء الموتى وحفظ العالم من الدمار. ولا شك أن هناك آثاراً خطيرة تترتب على هذه العقيدة، من أهمها: الوقوع في شرك الربوبية -والعياذ بالله-.

عقيدة الصوفية في الجنة والنار:

الصوفية يعتقدون أن طلب الجنة والفرار من النار ليس هدفاً، فالله يعبد لذاته، حيث يزعم المتصوفة أن العبادة الحقة هي ما كانت دون طلب العوض من الله، وأن يشهد فيها فعل الله لا فعل العبد، وأن من شاهد فعله في الطاعة فقد جحد. والصوفية يعتقدون أن طلب الجنة منقصة عظيمة وأنه لا يجوز للولي أن يسعى إليها ولا أن يطلبها ومن طلبها فهو ناقص، وإنما الطلب عندهم والرغبة في الفناء –المزعوم- في الله، والاطلاع على الغيب والتعريف في الكون.. هذه جنة الصوفي المزعومة. وأما النار فإن الصوفية يعتقدون أيضاً أن الفرار منها لا يليق بالصوفي الكامل، لأن الخوف منها طبع العبيد وليس الأحرار.

وقد يظن المسلم في عصرنا الحاضر أن هذه العقيدة في الجنة والنار عقيدة سامية، وهي أن يعبد الإنسان الله لا طمعاً في الجنة ولا خوفاً من النار، ولكنها عقيدة غير صحيحة ومخالفة لعقيدة الكتاب والسنة.

الشريعة الصوفية في العبادات:

يعتقد الصوفية أن الصلاة والصوم والحج والزكاة عبادات العوام، وأما هم فيسمون أنفسهم الخاصة، ولذلك فعباداتهم مخصوصة وإن تشابهت ظاهراً. وإذا كانت العبادات في الإسلام لتزكية النفس وتطهير المجتمع؛ فإن العبادات في التصوف هدفها ربط القلب بالله - تعالى - للتلقي عنه مباشرة -حسب زعمهم- والفناء فيه، واستمداد الغيب من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والتخلق بأخلاق الله، حتى يقول الصوفي للشيء: كن فيكون، ويطلع على أسرار الخلق، ولا يهم في التصوف أن تخالف الشريعة الصوفية ظاهر الشريعة الإسلامية، فالحشيش والخمر واختلاط النساء بالرجال في الموالد وحلقات الذكر كل ذلك لا يهم لأن للولي شريعته تلقاها من الله مباشرة.

شريعة الصوفية في الحلال والحرام:

أهل وحدة الوجود في الصوفية لا شيء يحرم عندهم، ولذلك كان منهم الزناة واللوطية، ومنهم من اعتقد أن الله قد اسقط عنه التكاليف وأحل له كل ما حرم على غيره.

شريعة الصوفية في الحكم والسياسة والحروب:

المنهج الصوفي يرى عدم جواز مقاومة الشر ومغالبة السلاطين؛ لأن الله -في زعمهم- أقام العباد فيما أراد.

منهج الصوفية في التربية:

لعل أخطر ما في الشريعة الصوفية هو منهجهم في التربية، حيث يستحوذون على عقول الناس ويلغونها، وذلك بإدخالهم في طريق متدرج يبدأ بالتأنيس ثم بالتهويل والتعظيم بشأن التصوف ورجاله، ثم بالتلبيس على الشخص، ثم الدخول إلى علوم التصوف شيئاً فشيئاً، ثم بالربط بالطريقة وسد جميع الطرق بعد ذلك للخروج.

الخضر - عليه السلام - في الفكر الصوفي:

قصة الخضر - عليه السلام - التي وردت في القرآن في سورة الكهف، حرف المتصوفة معانيها وأهدافها ومراميها وجعلوها عموداً من أعمدة العقيدة (الصوفية)، وجعلوا هذه القصة دليلاً على أن هناك ظاهراً شرعياً وحقيقة صوفية تخالف الظاهر، وجعلوا إنكار علماء الشريعة على علماء الحقيقة أمراً مستغرباً، وجعل الصوفية الخضر - عليه السلام - مصدراً للوحي والإلهام والعقائد والتشريع، ونسبوا طائفة كبيرة من علومهم التي ابتدعوها إلى الخضر –عليه السلام-، وليس منهم صغير أو كبير ممن دخل في طريقهم إلا وادعى لقيا الخضر –عليه السلام- والأخذ عنه.

أذكار الصوفية:

الأذكار الشرعية حظيت بالبيان والتوضيح، فلم يترك الرسول –صلى الله عليه وسلم- مجالاً من مجالات الذكر إلا وبين الصيغة التي يتعين على المسلم ذكرها، ولكن الصوفية خرقوا كل الضوابط والثوابت الشرعية، فشرعوا من عندهم أذكاراً وصلوات لم ترد في الشريعة الإسلامية، وخير مثال على ذلك أفضل ذكر ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((لا إله إلا الله))،  فالصوفية يذكرون اسم الله مفرداً بقولهم: "الله الله الله"، أو مضمراً بقولهم: "هو هو هو"، وبعضهم فسر ذلك بقوله: "أخشى أن تقبض روحي وأنا أقول لا إله...."، ومن الصلوات التي ابتدعها المتصوفة صلاة الفاتح التي تقول: "اللهم صلي على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لم سبق، وناصر الحق بالحق...." إلى آخره من ابتداع الصوفية، وهناك ورد أطلق عليه المتصوفة جوهرة الكمال، وهي من أورادهم اللازمة التي لها حكم الفرض العيني، ونصه: "اللهم صلي وسلم على عين الرحمة الربانية، والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني، ونور الأكوان المتكونة...." إلى آخر الخزعبلات التي ليس أمام أي مسلم إلا أن يحوقل ويسترجع ويتعوذ من المكر "فاللهم لا تمكر بنا".

عبادة الله بالغناء بدعة يهودية:

في المجتمع الصوفي يتفشى ما يسمى بالسماع والتغني بالأشعار مع دق الطبول، وهذا يقصد به الصوفية عبادة الله - تعالى -، ويتضح تأثر الصوفية به إلا أن كثيراً من الذين بحثوا في هذا الجانب يؤكدون على أن الصوفية يتأثرون بالسماع من خلال الألحان والأشعار والطبول أكثر من تأثرهم بالقرآن، يقول الشعراني: "وكان إذا سمع القرآن لا تقطر له دمعة، وإذا سمع شعراً قامت قيامته"..

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولو كان هذا - يقصد سماع الأشعار وضرب الدفوف كعبادة - مما يؤمر به ويستحب وتصلح به القلوب للمعبود، لكان ذلك مما دلت الأدلة الشرعية عليه"، ويضيف: "إنما عبادة المسلمين الركوع والسجود، أما العبادة بالرقص وسماع الأغاني بدعة يهودية تسربت إلى المنتسبين إلى الإسلام".

مظاهر تقديس الأموات في الفكر الصوفي:

إن من ألوان تقديس الأموات والغلو فيهم أن يعتقد - وهذا ما يفعله المتصوفة - أن الميت ولياً كان أم نبياً لا بدّ أن يرجع إلى الدنيا، وأنه متى ما أراد أن يعود إلى بيته عاد وكلم أهله وذويه، وتفقد أتباعه ومريديه، وربما أعطاهم أوراداً، إلى غير ذلك مما يعبر عن عقيدة موغلة في الجهل بعيدة عن عقيدة الإسلام الصافية.

ومظاهر عقيدة الرجعة عند الصوفية تتمثل في اعتقادهم بإمكان مقابلة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعد موته يقظة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - يحضر بعض اجتماعات الصوفية، وأنه مازال يعطي بعض المعارف والتشريعات لمن يشاء من العباد.

ويوغل المتصوفة كثيراً في تقديس الأموات، وهذا يتضح من خلال تقديس المشاهد والبناء على القبور وتجصيصها واتخاذها مساجد، وقد تساهل المسلمون في ذلك كثيراً حتى نجد أنها عمت كثيراً من بلاد المسلمين دون وعي بنتائج ذلك، والتي من أهمها: أن تقديس المشاهد والبناء على القبور صار شائعاً وكأنه معلم من معالم الدين الإسلامي، وأن تقديسها ذريعة إلى الشرك، حيث أدى البناء على القبور وتعليتها وتزيينها إلى اتخاذها معابد وشرعت لها مناسك كمناسك الحج، كذلك فان تقديس المشاهد إساءة للإسلام عند من لا علم له  بتعاليمه، فنجد أن وسائل الإعلام الحاقدة على الإسلام تنقل وتقدم هذا التقديس على أنه صورة الإسلام!! وبالتالي ما الفرق بين عبدة الأوثان والصليبيين وهؤلاء؟ كما يضاف إلى نتائج اتخاذ القبور وتقديس المشاهد هو انتشار البطالة في العالم الإسلامي بسبب العكوف على القبور واتخاذها مصدراً اقتصادياً.

الكرامات عند الصوفية:

إن أول انحراف صوفي يلقاه الباحث عندما يقرأ أي كتاب من كتب التراث الصوفي هو اعتمادهم الكلي على الخوارق، واهتمامهم في مناهجهم على المبالغة في نشر خوارق الشيوخ، وتركيزهم على اختلاق قصص خيالية، وأساطير كثيرة بالية ليرفعوا بها ما للشيوخ والأولياء من مكانة ومنزلة في نفوس الأتباع، ويحملوهم على الإذعان لهم وتقديسهم وتعظيمهم لدرجة العبادة، فكان من نتائج هذا الاهتمام أن حملوا شيوخهم على طرق كل باب بحثاً عن الخوارق، لعلمهم أن الصوفي كل ما كان أكثر خوارق وأشد اتصافاً بالمدهشات كان أعظم عند الناس في باب الولاية والقرب.

ومن الصور الحسية لاهتمام الصوفية بموضوع الكرامات: يقول السراج الطوسي في كتابه اللمع لإثبات الآيات والكرامات: "من زهد في الدنيا أربعين يوماً صادقاً من قلبه مخلصاً في ذلك، ظهرت له الكرامات"، ويذكر القشيري في رسالته عن خوارق شيوخ الصوفية عندما سرد غرائب أحوالهم وقدراتهم على التعرف، والصوفية يبادرون إلى نسبة كل غريب صادر من شخص معروف أو مجهول بأنه كرامة ولي، ويعترفون أنهم يعتمدون على الجن في كثير من خوارقهم، حيث نقل عن الجنيد أن الجن كانت تؤنسه وتعينه في أسفاره وغيرها.

وأنصار الفكر الصوفي لا يتصورون ولاية دون خوارق، فقد ركبوا كل صعب وذلول، وطرقوا كل باب مسدود، وذهبوا كل مذهب في سبيل نسج القصص واختلاق الروايات، وجمع الأساطير، ظناً منهم بأن ذلك جالب للاحترام وموجب للتقديس عند الخاص والعام.

وسوف نستعرض بعضاً من كرامات أولياء التصوف المعروفة في كتبهم، وذلك حتى يعلم القارئ إلى أي مدى وصل الخيال والدجل بهؤلاء، وكيف أن الحرص على الجاه، وكسب تقديس الآخرين يمكن أن يقضي على الحياء والمروءة وكل القيم.

يتحدث الشعراني عن أحد الأولياء إذا شاوره إنسان في شيء، قال: "أمهلني حتى اسأل جبريل"، ثم يقول له بعد ساعة: "أفعل أو لا تفعل" حسب ما يقول له جبريل بزعمه!.. وعن ولي آخر يدعي أن الله لا يحدث شيئاً في العالم إلا بعد أن يعلمه بذلك على سبيل الاستئذان!.. وهناك ولي آخر من المجاذيب تبعه جماعة من الصبيان يضحكون عليه فقال: "يا عزرائيل، إن لم تقبض أرواحهم لأعزلنك من ديوان الملائكة"، فأصبحوا موتى أجمعين!.. ومن قصصهم المستغربة التي لا تروج إلا على الجهلة والمهووسين: أن ولياً من أوليائهم كان يختم القرآن (360) ألف ختمة في اليوم والليلة! وهذا الكلام لولا أن العقول قد خدرت فكرياً وأن النفوس قد مسخت وأن القلوب قد طبع عليها بخاتم الجهل وقلة الحياء، ما كان ليصدق فيدون في كتب الكرامات، فإن اليوم والليلة زمن يمتد (24) ساعة أي (1440) دقيقة، فإذن (360 ألف ختمة ÷ 1440 دقيقة = 250 ختمة في كل دقيقة)!! فأين العقول؟!

ومن أعجب كراماتهم المدونة ما يتعلق بحياتهم الخاصة، فنجدهم مثلاً يتحدثون عن ولي مكث أربعين سنة لم يأكل ولم يشرب، وآخر ينام سبع عشرة سنة! وآخر يقول لعصاه التي يتوكأ عليها: "كوني إنساناً"، فتكون إنساناً فيرسلها تقضي له الحوائج ثم تعود كما كانت! وأن أحد أوليائهم أمر الشمس بالوقوف فوقفت، حتى قطع المرحلة الباقية من سفره، ثم أمرها بالغروب، فغربت وأظلم الليل في الحال!

وبالتأكيد إننا لم نقصد حشد ما ذكره هؤلاء في هذا المجال، ولكن أردنا الاستشهاد بتلك الأمثلة للتدليل على المخازي التي ابتليت بها أمة الإسلام وغزاها أعداؤها في عقر دارها بهذا الفكر الذي سرعان ما حول تلك العقلية الإسلامية الايجابية المبدعة إلى عقلية خرافية خامدة مقهورة، فصار المسلمون يعيشون في أحلك الظلم، إلا من هداه الله للتمسك بالسنة وقليل ما هم.

إن من المعروف عند المسلمين أن الكرامة لا تكون معصية لله ولا مخالفة للشريعة، ولكن أصحاب الفكر الصوفي فلا تنحصر كراماتهم في مجال الطاعات ولا تتقيد بالصالحات، فلا مانع عندهم أن تكون الكرامة خارقة لقواعد الشريعة الإسلامية هاتكة لحرمتها، وهناك نماذج لذلك، من أهمها: كرامة السرقة والتزوير، يقول الدباغ: "إن الولي صاحب التصرف يمد يده إلى جيب من شاء فيأخذ منه ما شاء من الدراهم، وذو الجيب لا يشعر"، وكرامة الرقص مع الأجنبيات وكرامة مباشرة الأجنبيات والاطلاع على العورات، وكرامة التعري أمام الناس ويذكر الشعراني في ترجمة شيخ اسمه إبراهيم العريان! لأنه كان يطلع المنبر ويخطب عرياناً! وكرامة إعلان الكفر على المنابر!

ولولا أنه يوجد في الأمة الإسلامية إلى اليوم جماهير تدافع عن الفكر الصوفي وتدعو إليه بحماس لما عرضنا مثل هذه السخافات، ولعل الذي يقف على هذا يدرك قيمة هذا الفكر الذي حقه أن يدفن ولا ينشر!

إن التصوف عبر تاريخه الطويل هو انحراف عن منهج الله، إنه خليط من الفلسفات والأفكار البائدة، ولعل تغليب جانب العبادة عندهم أدى في كثير من الأوقات إلى عدم الاهتمام بالعلم كما وصفهم به كبار النقاد كابن الجوزي، وهذا البعد عن العلم مع الحرص على العبادة أدى بهم إلى ابتداع شعائر وطقوس هي عمدة من جاء بعدهم من أهل التصوف، وقد أدرك أعداء الإسلام ذلك فحاولوا أن يشوهوا الإسلام ويقضوا على صفاء عقيدة التوحيد، ويجعلوا المسلمين يركنون إلى السلبية حتى لا تقوم لهم قائمة.

معنى الطريقة الصوفية:

على الرغم من صعوبة تحديد المراد بالطريقة والوصول لمفهوم موحد لجميع الطرق الصوفية، إلا أننا سنعرض بعضاً من المعاني التي وردت حول الطريقة الصوفية، فمنها: أن الطريقة الصوفية تعني: النسبة أو الانتساب إلى شيخ يزعم لنفسه الترقي في ميادين التصوف والوصول إلى رتبة الشيخ المربي، ويدعي لنفسه رتبة صوفية من مراتب الأولياء. كما أنها تعني: أن يختار جماعة من المريدين شيخاً لهم يسلك بهم رياضة خاصة بهم على دعوى وزعم تصفية القلب لغاية الوصول إلى معرفة الله.

كما وصفها الشيخ الجزائري بقوله: "إنها تعني اتصال المريد بالشيخ وارتباطه به حياً أو ميتاً وذلك بواسطة ورد من الأذكار يقوم به المريد بإذن من الشيخ أول النهار وآخره، ويلتزم به بموجب عقد بينه وبين الشيخ، وهذا العقد يعرف بالعهد، وصورته: أن يتعهد الشيخ بأن يخلص المريد من كل شدة ويخرجه من كل محنة متى ناداه مستعيناً به، كما يشفع له يوم القيامة في دخول الجنة. ويتعهد المريد بأن يلتزم بالورد وآدابه، فلا يتركه مدى الحياة، كما يلتزم بلزوم الطريقة وعدم استبدالها بغيرها من سائر الطرق".

والتصريح بضمان الجنة للمريد أمر مشهور عندهم، وهو أكبر من مجرد الشفاعة يوم القيامة. أحد مشايخ الصوفية وهو الشيخ التيجاني يقول: "وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بغير حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا من المعاصي ما بلغوا إلا أنا وحدي".

وهناك تنافس محموم بين الطرق الصوفية لجذب المريدين، ولذلك فان كل طريقة تحاول أن يكون لها ذكر خاص تنفرد به عن سائر الطرق، وأن يكون لهذا الذكر ميزة خاصة، ولكل طريقة مشاعر خاصة من حيث لون العلم والخرقة وطريقة الذكر ونظام الخلوة، والطرق يتوارثها الأبناء من الآباء، وذلك أن الطريقة التي تستطيع جلب عدد كبير من المريدين والتابعين تصبح بعد مدة إقطاعية دينية تفد الوفود إلى رئيسها أو شيخها من كل ناحية، وتأتيه الصدقات والهبات والبركات من كل حدب وصوب، وحيثما حل الشيخ في مكان ذبحت الطيور والخرفان وأقيمت الموائد، ولذلك فإن أصحاب الطرق الصوفية اليوم يقاتلون عنها بالسيوف.

والطرق الصوفية وإن اختلفت وتباينت فإنها تتفق فيما يلي:

* الاحتفال بدخول المريد في الطريقة بطقوس دقيقة مرسومة، وقد يتطلب بعض الطرق من المريد أن يمضي وقتاً شاقاً في الاستعداد للدخول.

* التقيد بزي خاص، فلا بدّ أن يكون هناك نوع خاص من الزي يمثل رمز أصحاب الطريقة الذي يلبسونه فيميزهم عن غيرهم.

* اجتياز المريد مرحلة شاقة من الخلوة والصلاة والصيام وغير ذلك من الرياضات.

* الإكثار من الذكر مع الاستعانة بالموسيقى والحركات البدنية المختلفة التي تساعد على الوجد والجذب.

* الاعتقاد في القوى السرية الخارقة للعادة التي يكتسبها المريدون بالمجاهدات، وهي القوى التي تمكنهم من أكل الجمر، والتأثير على الثعابين، والإخبار بالمغيبات.

* احترام شيخ الطريقة إلى درجة التقديس.

نشأة الطرق الصوفية:

وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي الإيراني (430هـ) أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلاً عن طريق الوراثة، ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها، حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني (561هـ).

كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس الرفاعي (540هـ)، وفي القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي أحد رؤوس الصوفية (638هـ)، واستمرت الصوفية بعد ذلك في القرون التالية إذ انتشرت الفوضى واختلط الأمر على الصوفية لاختلاط أفكار المدارس الصوفية وبدأت مرحلة الدراويش.

نماذج من الطرق الصوفية:

- الطريقة القادرية وتسمى الجيلانية: أسسها عبد القادر الجيلاني المتوفى سنة (561هـ)، يزعم أتباعه أنه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، كما نسبوا إليه من الأمور العظيمة فيما لا يقدر عليها إلا الله - تعالى - من معرفة الغيب، وإحياء الموتى وتصرفه في الكون حياً أو ميتاً، بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال، التي منها: من استغاث بي في كربة كشفت عنه، ومن نادني في شدة فرجت عنه ومن توسل بي في حاجة قضيت له.

- الطريقة الرفاعية: تنسب إلى أبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي، ويطق عليها البطائحية نسبة إلى مكان ولاية بالقرب من قرى البطائح بالعراق، وجماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في إثبات الكرامات. قال عنهم الشيخ الآلوسي: "وأعظم الناس بلاء في هذا العصر على الدين والدولة مبتدعة الرفاعية، فلا تجد بدعة إلا ومنهم مصدرها وعنهم موردها، فذكرهم عبارة عن رقص وغناء وعبادة مشايخهم".

- البدوية: وتنسب إلى أحمد البدوي (634هـ) ولد بفاس، حج ورحل إلى العراق، واستقر في طنطا حتى وفاته، له فيها ضريح مقصود، حيث يقام له كغيره من أولياء الصوفية احتفال بمولده سنوياً يمارس فيه الكثير من البدع والانحرافات العقدية من دعاء واستغاثة وتبرك وتوسل ما يؤدي إلى الشرك المخرج من الملة، وأتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر، ولهم فيها فروع كالبيومية والشناوية وأولاد نوح والشعبية وشارتهم العمامة الحمراء.

- الطريقة الدسوقية: تنسب إلى إبراهيم الدسوقي (676هـ)، المدفون بمدينة دسوق في مصر، يدعي المتصوفة أنه أحد الأقطاب الأربعة الذين يرجع إليهم تدبير الأمور في هذا الكون.

- الطريقة الأكبرية: نسبة إلى الشيخ محيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر (638هـ)، وتقوم طريقته على عقيدة وحدة الوجود والصمت والعزلة والجوع والسهر، ولها ثلاث صفات: الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، والرضا بالقضاء.

- الطريقة الشاذلية: وهي طريقة صوفية تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي، يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية، وأن كانت تختلف في أسلوب سلوك المريد أو السالك وطرق تربيته، إضافة إلى اشتهارهم بالذكر المفرد "الله" أو مضمراً "هو"، ويفضلون اكتساب العلوم عن طريق الذوق: وهو تلقي الأرواح للأسرار الطاهرة في الكرامات وخوارق العادات، كذلك معرفة الله - تعالى - معرفة يقينية، ولا يحصل ذلك إلا عن طريق الذوق أو الكشف. كما أن من معتقداتهم السماع وهو سماع الأناشيد والأشعار التي قد تصل إلى درجة الكفر والشرك؛ كرفع الرسول –صلى الله عليه وسلم- إلى مرتبة ليست موجودة في الكتاب والسنة.

- الطريقة البكداشية: كان الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة، وهي لا تزال منتشرة في البانيا، كما أنها أقرب إلى التصوف الشيعي، وكان لهذه الطريقة أثر بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول.

- الطريقة المولوية: أنشأها الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي (672هـ) والمدفون بقونية، أصحابها يتميزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر، وقد انتشروا في تركيا وغرب آسيا، ولم يبق لهم في الأيام الحاضرة إلا بعض التكايا في تركيا وحلب وفي بعض أقطار المشرق.

- الطريقة النقشبندية: تنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن البخاري الملقب بشاه نقشبند (791هـ)، وهي طريقة تشبه الطريقة الشاذلية، انتشرت في فارس وبلاد الهند.

- الطريقة الملامتية: مؤسسها أبو صالح حمدون بن عمار المعروف بالقصار (271هـ)، أباح بعضهم مخالفة النفس بغية جهادها ومحاربة نقائصها، وقد أظهر الغلاة منهم في تركيا حديثاً بمظهر الإباحية والاستهتار وفعل كل أمر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.

- الطريقة التيجانية: طريقة صوفية يؤمن أصحابها بجملة الأفكار والمعتقدات الصوفية، ويزيدون عليها الاعتقاد بإمكانية مقابلة النبي –صلى الله عليه وسلم- مقابلة مادية واللقاء به لقاء حسياً في هذه الدنيا، وأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- قد خصهم بصلاة "الفاتح" التي تحتل لديهم مكانة عظيمة - وكنا قد عرضنا لهذه الصلاة سابقاً- هذه الطريقة أسسها أبو العباس أحمد التيجاني (1230هـ)، الذي ولد بالجزائر، ويدعي أنه التقى النبي –صلى الله عليه وسلم- لقاء حسياً مادياً، وأنه تعلم منه صلاة الفاتح، وأنها تعدل قراءة القرآن ستة آلاف مرة. ويلاحظ على أصحاب هذه الطريقة شدة تهويلهم للأمور الصغيرة وتصغيرهم للأمور العظيمة على حسب هواهم، مما أدى إلى أن يفشو التكاسل بينهم لما شاع بينهم من الأجر العظيم على أقل عمل يقومون به، ويرون أن لهم خصوصيات ترفعهم عن مقام الناس الآخرين، من أهمها: أن تخفف عنهم سكرات الموت، وأن الله يظلهم في ظل عرشه، وأن لهم برزخاً يستظلون به وحدهم. وأهل هذه الطريقة كباقي الطرق الصوفية يجيزون التوسل بذات النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقد بدأت هذه الطريقة في مدينة فاس، وصار لها أتباع في السنغال ونيجيريا وشمال أفريقيا ومصر والسودان.

- الطريقة الختمية: وهي طريقة صوفية تلتقي مع الطرق الصوفية الأخرى في كثير من المعتقدات، مثل: الغلو في شخص رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وادعاء لقياه، وأخذ تعاليمهم وأورادهم وأذكارهم التي تميزوا بها عنه مباشرة، هذا إلى جانب ارتباط الطريقة بالفكر والمعتقد الشيعي وأخذهم من أدب الشيعة وجدالهم. وقد أسس هذه الطريقة محمد عثمان الميرغني، ويلقب بالختم إشارة إلى أنه خاتم الأولياء، ومنه اشتق اسم الطريقة الختمية، كما تسمى الطريقة الميرغنية ربطاً لها بطريقة جد المؤسس عبد الله الميرغني المحجوب.. وقد بدأت هذه الطريقة من مكة والطائف، وأرست لها قواعد في جنوب وغرب الجزيرة العربية، كما عبرت إلى السودان ومصر، وتتركز قوة الطريقة من حيث الأتباع والنفوذ الآن في السودان.. وعلى هذا فان الطريقة الختمية طائفة صوفية تتمسك بمعتقدات الصوفية وأفكارهم وفلسفاتهم، حيث تبنوا فكرة وحدة الوجود التي نادى بها ابن عربي، وقالوا بفكرة النور المحمدي، واستخدموا مصطلحات الوحدة والتجلي والانبجاس والظهور والفيض وغيرها من المصطلحات الفلسفية الصوفية، وأسبغوا على الرسول –صلى الله عليه وسلم- من الأوصاف ما لا ينبغي أن يكون إلا لله - تعالى -، ويدعي مؤسس الطريقة بأنه خاتم الأولياء، وأن مكانته تأتي بعد الرسول، والطريقة الختمية تهتم بإقامة الاحتفالات الخاصة بإحياء ذكر مولد النبي –صلى الله عليه وسلم- وإقامة ليالي الذكر أو الحولية.

- الطريقة البريلوية: وهي فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية في مدينة بريلي بالهند أيام الاستعمار البريطاني، وقد اشتهرت بمحبة وتقديس الأنبياء والأولياء بعامة، والنبي –صلى الله عليه وسلم- بخاصة. مؤسس هذه الطريقة هو أحمد رضا خان (340هـ) ولقد سمى نفسه عبد المصطفى!، ويعتقد أبناء هذه الطائفة بأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لديه القدرة التي يتحكم بها في الكون، ولقد غالوا في نظرتهم إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى أوصلوه إلى قريب من مرتبة الألوهية، يقول أحمد رضا خان: "أي يا محمد لا استطيع أن أقول لك الله، ولا استطيع أن أفرق بينكما، فأمرك إلى الله هو أعلم بحقيقتك"، كما أن هذه الطائفة لديها عقيدة الشهود حيث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- في نظرهم حاضر وناظر لأفعال العباد في كل زمان ومكان، كما أنهم يشيدون القبور ويعمرونها ويتبركون بها، ويؤمنون بالإسقاط وهي صدقة تدفع عن الميت بمقدار ما ترك من صلاة أو صيام أو سائر العبادات وهي مقدار صدقة الفطر. وأعظم أعيادهم هو ذكرى المولد النبوي. وهم يكفرون المسلمين لأدنى سبب، مثل: شيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام محمد بن عبد الوهاب، والرئيس الباكستاني الراحل ضياء الحق.

أهم الشخصيات الصوفية:

سنحاول عرض أبرز الشخصيات الصوفية وأكثرها تأثيراً عبر العصور وخصوصاً الذين دعوا إلى عقيدة الحلول والاتحاد، فمن أبرزهم:

* البسطامي (261هـ): هو أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي، كان جده مجوسياً فاسلم، وهو أول من استخدم لفظ الفناء بمعناه الصوفي الذي يقصد منه الاتحاد بذات الله، يقول د. عبد الرحمن بدوي - صوفي معاصر - صاحب كتاب تاريخ التصوف الإسلامي: "لقد نصب الله الخلائق بين يدي أبي يزيد، وها هي ذا تتحرق إلى رؤياه في هذا المقام... لكن لكي يمكنهم أن يروه كان عليه أن يطلب إلى الله أن يزين أبا يزيد بوحدانيته ويلبسه آنانيته... "، وعلى هذا فإن عقيدة البسطامي واضحة فهو أول من سعى في نشر عقيدة الاتحاد بين المسلمين.

* الحلاج (309هـ): هو الحسين بن منصور الحلاج، صوفي فيلسوف، تبرأ منه سائر الصوفية والعلماء لسوء سيرته ومروقه، وهو يدعي الحلول، ومعناه: حلول الإله فيه، أي الله - سبحانه وتعالى - وتقدس عما يقول، واستمر الحلاج في نشر فكره الحلولي حتى استفحل أمره فألقي القبض عليه لتتم مناظرته ومناقشته بحضره القضاة، وبعد أن تيقن السلطان (المقتدر) أمره أمر بقتله.

* الغزالي (450 – 505هـ): أبو حامد محمد بن احمد الطوسي الملقب بحجة الإسلام، ولد بطوس من إقليم خرسان، نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب، مثل: علم الكلام والفلسفة، والباطنية، والتصوف، وأورثه ذلك حيرة وشكاً، ألف عدداً من الكتب، أهمها: تهافت الفلاسفة، والمنقذ من الضلال، وأهمها على الإطلاق إحياء علوم الدين، ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف في المعرفة.. ومن جليل أعماله هدمه للفلسفة اليونانية وكشفه لفضائح الباطنية. وفي آخر حياته أقبل على حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم-، وفي هذه المرحلة ألف كتابه "إلجام العوام عن علم الكلام" الذي ذم فيه علم الكلام وطريقته وانتصر لمذهب السلف، ويقال أنه رجع عن القول بالكشف وإدراك خصائص النبوة.

* ابن الفارض (566 – 632هـ): هو أبو حفص عمر بن علي الحموي الأصل المصري المولد، لقب بشرف الدين، وهو من الغلاة الموغلين في وحدة الوجود، يقول الشيخ الوكيل: "ابن الفارض يزعم أنه منذ القدم كان الله، ثم تلبس بصورة النفس.. الخ"، ونص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن ابن الفارض من أهل الإلحاد القائلين بالحلول الاتحاد ووحدة الوجود..

* ابن عربي (560 – 638هـ): وهو أبو بكر محيي الدين محمد بن علي بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، الملقب بالشيخ الأكبر عند الصوفية، رئيس مدرسة وحدة الوجود، يعتبر نفسه خاتم الأولياء، استقر في دمشق حيث مات ودفن، وله فيها قبر يزار، طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على أن الإنسان وحده من بين المخلوقات يمكن أن تتجلى فيه جميع الصفات الإلهية إذ تيسر له الاستغراق في وحدانية الله، وهذا يوضح خطورة آرائه، ولذلك فقد اتفق علماء الإسلام شرقاً وغرباً على ذم ابن عربي وآرائه، والبعض منهم يحرم النظر في كتبه.

* ابن سبعين (614 – 669هـ): هو قطب الدين أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن سبعين الاشبيلي المرسي، أحد الفلاسفة المتصوفة القائلين بوحدة الوجود التي يرى أنها تعني: أن وجود الحق هو الثابت بدءاً، وإنه مادة كل شيء، والخلق منبثق منه فائض عنه، ولذا يقول ابن تيمية: "إن ابن سبعين وإن قال بأن الوجود واحد فهو يقول بالاتحاد والحلول من هذا الوجه، لأن معنى كلامه أن الحق محل للخلق". ويرى ابن سبعين أن الله هو الوجود كله ولا شيء معه إلا علمه، والكائنات هي عين علمه. يقول ابن تيمية: "هذا من أبطل الباطل وأعظم الكفر والضلال".

* العفيف التلمساني (610 – 690هـ): هو سليمان بن علي الكومي التلمساني، يلقب بعفيف الدين، يقول عنه الذهبي: "أنه أحد زنادقة الصوفية"، ويقول ابن كثير: "وقد نسب هذا الرجل إلى عظائم في الأقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض، وشهرته تغني عن الإطناب في ترجمته"، ومن أقوال التلمساني الشنيعة التي توضح كفره الحوار الذي دار بينه وبين أحد شيوخه، قال: "القرآن ليس فيه توحيد بل القرآن كله شرك، ومن اتبع القرآن لم يصل إلى التوحيد"، وكذلك فإن من فكر التلمساني الفاسد ما حكاه شيخ الإسلام من أن الشيرازي قال لشيخه التلمساني - وقد مر بكلب أجرب ميت -، فقال: "هذا أيضاً من ذات الله"؟! فقال: "وهل ثم خارج عنه"!؟ قال ابن تيمية: "هذا من أعظم الكفر". وعلى هذا فإن الرجل يعد من رواد وحدة الوجود الكبار، ومن المصنفين المكثرين في تقرير هذه العقيدة الفاسدة ونشرها.

* النابلسي (1050 – 1143هـ): هو عبد الغني بن إسماعيل الدمشقي النابلسي الحنفي النقشبندي القادري، آمن بالطريقة النقشبندية الذين يؤمنون بعقيدة الفناء ووحدة الوجود.

أقوال بعض الأئمة والعلماء في الصوفية:

* الإمام الشافعي: أدرك بدايات التصوف وكان أكثر العلماء والأئمة إنكاراً عليهم، وقد كان مما قاله في هذا الصدد: "لو أن رجلاً تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق".

* الإمام أحمد بن حنبل: كان للصوفية بالمرصاد فقد قال فيما بدأ الحارث المحاسبي يتكلم فيه، وهو الوساوس والخطرات، قال الإمام أحمد: "ما تكلم فيها الصحابة ولا التابعون"، وحذر من مجالسة الحارث، وقال لصاحب له: "لا أرى لك أن تجالسه".

* الإمام ابن الجوزي: كتب كتاباً سماه "تلبيس إبليس"، خص الصوفية بمعظم فصوله، وبيَّن تلبيس الشيطان عليهم ما جعلهم يتخبطون في الظلمات.

* شيخ الإسلام ابن تيمية: كان من أعظم الناس بياناً لحقيقة التصوف، وتتبعاً لأقوال الزنادقة والملحدين وخاصة ابن عربي والتلمساني وابن سبعين، فتعقب أقوالهم، وفضح باطنهم، وحذر الأمة من شرورهم، وقد ذكرنا في هذا الجزء مقاطع مما قاله ابن تيمية.

بعض كبار الصوفية الذين هداهم الله للطريق القويم:

* الدكتور تقي الدين الهلالي: شيخ التوحيد في بلاد المغرب، والذي كان صوفياً (تيجانياً) فأكرمه الله بدعوة التوحيد، يقول عن سبب خروجه من الطريقة التيجانية: "لقد كنت في غمرة عظيمة وضلال مبين، وكنت أرى خروجي من الطريقة التيجانية كالخروج من الإسلام، ولم يكن يخطر لي ببال أن أتزحزح عنها قيد شعرة، وجرت مناظرة حول ادعاء الشيخ التيجاني في أنه رأي النبي –صلى الله عليه وسلم- يقظة، وقد ثبت بطلان ذلك، [يمكن الرجوع للمناظرة بكاملها في كتاب "الفكر الصوفي"، ص 474]، وكذلك يذكر أنه اجتمع بالشيخ عبد العزيز بن إدريس وأوضح له بطلان الطريقة التيجانية.

* الشيخ عبد الرحمن الوكيل: وكيل جماعة أنصار السنة بمصر، صاحب كتاب "هذه هي الصوفية"، يقول: "كانت لي بالتصوف صلة، وهي صلة العبرة بالمأساة، حيث كان يدرج بي الصبا في مدارجه السحرية، وتستقبل النفس كل صروف الأقدار بالفرحة الطروب".

ويضيف: "ألا فاسمعوها غير هيابة ولا وجلة، واصغوا إلى هتاف الحق يهدر بالحق، أن التصوف أدنا وألام كيد ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله ولرسوله، إنه قناع كل عدو صوفي للدين الحق، فتش فيه تجد برهمية وبوذية، وزرادشتية، ويهودية ونصرانية ووثنية جاهلية...".

وبعد:

إن ما نشاهده اليوم من الصوفية التي عمدت إلى تدوين معتقداتها ومناهجها ومن ثم محاولة نشر تلك المعتقدات بشتى الوسائل وخصوصاً في عصرنا الحاضر عصر المعلومات والاتصالات، فما نشاهده من تكريس لتلك العقيدة والشريعة من خلال طقوسها التي تطالعنا بها الفضائيات وتعج بها الصحف والمجلات على أنها من أصول العقيدة والتشريع الإسلامي، ما قد يؤدي بالأمة الإسلامية إلى التخلف والتقهقر، وكيف لها أن تتقدم مع هذه الانحرافات العقدية.. والله من وراء القصد.

للاستزادة حول الصوفية:

(1) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة: الندوة العالمية للشباب الإسلامي.

(2) تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي - محمد لوح - رسالة ماجستير منشورة - الجامعة الإسلامية.

(3) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة - عبد الرحمن عبد الخالق.

(4) تاريخ التصوف الإسلامي - عبد الرحمن بدوي.


سامي عبد العزيز