بيان من جبهة علماء الأزهر بشأن الاعتداء على أسطول الحرية (أسطول الكرامة والشرف العالمي)

ملفات متنوعة

يا قادتنا: إن شعوبكم قد صدقوا الله وتقدمتكم بعد أن أعياها أمركم،
فاصدقوا الله معها تغنموا وتؤجروا.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

يقول الحق جل جلاله: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم:15].
 
 
غير خافٍ على كُلِّ ذِي مروءة وحِسٍّ إنسانِيٍّ سليم ما كان يُعانِيهِ إخواننا في غَزَّةَ المُحاصَرَةِ بفلسطين المحتلة مع بقية إخوانهم منفردين.. ولاسِيّما أن المحنةَ دخلت عامَها الثالث تحمل خطوباً ومِحَنًاً وجِراحًا بالِغَةَ الإيلام..!
 
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند.
 
 
الأمر الذي أثارَ غيرَةَ الشَّرفاء من كُلِّ بقاعِ الدُّنيا على اختلاف عقائدهم وثقافاتهم وأعراقهم.. فجاءوا مُلَبِّين نداء ضميرهم الإنسانيِّ.. وهبّوا استِجابةً لِمشاعر الأخوة الإنسانية التي أَبَتْ إلا نُصرة المستضعفين في الأرضِ بالتَّضامُنِ الوجداني والمعنوي، وبالدَّعم المادي للذين يواجهون الموت أطفالاً وشيوخًا ونساءً وشُبّانًا لا ذنب لهم إلا أنهم أصحابُ قضِيَّةٍ مُتمسكين بحقهم فيها والدِّفاعِ عنها بعد أن خذلها المتآمرون والمتصهينون من بني يعرب الذين كانوا معنا على نحو ما قال الله تعالى في أمثالهم وقد خلعوا رداء الإيمان: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [لأعراف:102].
 
 
واليوم بعد أن أمد الله هؤلاء المخلصين الصابرين المحاصرين أصحاب القضية وحماتها بإخوان لهم في الإنسانية والدين والعروبة جاؤوهم بشيء من طعام ودواء وكساء يغسلون به عن الإنسانية عار الحصار وذل الصغار إذا بهم يلقون من الصهاينة ما أفزع الضمائر وأقلق المضاجع، فهاهي دولة الملاعين الزائلة عن قريب لا ترقب إلاً ولا ذمة حتى مع من كانوا أولا يزالون من حلفائها وأصدقائها، فتهجم هجوم الأذلين وقد استبد بهم الجنون فأعماهم حتى عن مصالحهم مع من كانت تستخدم أجواءها في تدريبات طياريها فتعقر بنذالة بعض أبنائها المجاهدين ليذهبوا وإخوانهم تزفهم الملائكة إلى مواطن الشهداء {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55].
 
فماذا عساها أن تفعل دول العرب الصديقة لهؤلاء المجرمين غير استدعاء السفير الذي لا قيمة له ولا ميزان إن اكتفوا به في شرع الحق وميزان السماء؟!.
 
 
إننا حين نُسَطّرُ هذه الكلمات، نُعْلِنُ بِكُلِّ سرورٍ نجاح القافلة أولاً في أولى مهامها مع سابق تقديرَنا لتلك الجهود الغيورة، والمساعي الإنسانية المشكورة التي قصدها هؤلاء الذين هم من أولي البقية من شُرفاء هذا العالم المنكوب بالظُّلْمِ والظالمين والموبوء بالطُّغاةِ الآثمين الذين تلطَّخَتْ سمعتهم بِمظالمِ الأبرياء في فلسطين المحتلة من قريب أو بعيد!.
 

لقد أبَوا إلا أن يكسروا هذا الحِصارَ الظّالِمَ ويَفلُّوا ذلك التَّواطؤ العالَمِي المشئوم على قضيتهم العادلة وحقهم الأصيل، والحمد لله قد كسروه، إذ توحدت والحمد لله اليوم كلمة تركيا كلها على بني صهيون.
 
والحمد لله ثم الحمد لله لقد استردت قضية فلسطين اليوم بما زُفَّ إليها من الدماء الزكية (دماء الأتراك وإخوانهم)، استردت القضية بهذه الهمة وهذا الاعتداء على أصحابها استردت أنفاسها، وعادت إليها بحمد الله حيويتها، تلك الحيوية التي اغتالتها أيادي المؤامرات الخسيسة، والتحالفات الرخيصة، والسياسات الخادعة، تلك المؤامرات التي حاكها صبيان المستعمرين، وأزلام المجرمين ممن ظننا بهم الخير فأسلمناهم القيادة فإذا بهم ينقلبون على الأمانة، ويخونون الرسالة، ويغدرون بالأمة، حتى كادوا أن يجهزوا على أنفاس فلسطين التي كانت سبب وجودهم فيما ظهر أواستتر، فأتاهم الله جميعاً من حيث لم يحتسبوا {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وأيدي المؤمنين} [الحشر: من الآية2].
 
 
لقد أضحت قضية فلسطين ومأساة غزَّة منذ اليوم قضية كل إنسانٍ شريف حُرٍّ كريم في هذا العالم المعاصر.. وإنَّه ليَحِزُّ أوتارَ قلوبنا أنْ نرى كثيراً من
أنظمة الشرق والغرب قد صعَّرت للحق خدودها، ولا يزال في أمتنا من يطلب الخيار والقثاء من اليهود وأشياعهم على مثل ما طلب اليهود من قبل من خسيس الطعام وردئ الإدام من نبيهم بعد ان أكرمهم الله تعالى بنفيسه وشريفه.. {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:61].

وهذا والله هو مصير دعاة ـ ما يُسمى كذباً ـ بالسلام معها إن لم يتداركوا بقية كرامتهم ويلقوا في وجهها بما كان من مبادراته التي ما رأينا فيها إلا نقيض ما نطقت به..!
 
 
فيا قادة أمتنا لقد أعذر الله إليكم، وإن الفرص لا تتكرر، تقدموا وأعلنوا تحالفكم مع دولة الأتراك على رجاء استرداد ما عُرف عنكم من قبل معها منفردين بشرف قيادة العالم ومجتمعين، وسارعوا لردم الهوة التي اتسعت بينكم وبين شعوبكم بطلب الموت الشريف، واعلموا أن الأمة التي تحسن صناعة الموت يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة.
 
 
يا قادتنا:
إن شعوبكم قد صدقوا الله وتقدمتكم بعد أن أعياها أمركم، فاصدقوا الله معها تغنموا وتؤجروا.
 
 
يا قادتنا:
اعلموا أن الموت لا بد منه، وأنه لا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة، وما يصيبكم إلا ما كُتب لكم، وتدبروا جيداً قول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} [آل عمران:154].
 
 
يا قادتنا وسادتنا قبل أن تسمعوها من أحزابكم الورقية غداً جارحة مهينة موجعة.. {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: من الآية67].. اعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة.
 
 
ثم كلمة إلى شهدائنا - إن شاء الله - الذين هم عند ربهم الآن ينعمون {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:170].. هنيئاً لكم ولآليكم ومحبيكم هذه الشهادة التي جاءت على أكرم صورة لها فخر بها نبيكم ونبي الإنسانية الشريفة الطاهرة العفيفة من قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
 
فقد أخرج ابن ماجة بسنده عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «شهيد البحر مثلُ شهيدي البَرِّ، والمائد في البحر كالمُتشحِّط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله، وغن الله عز وجل وكّل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم، ويُغفرُ لشهيد البرِّ الذنوبُ كلها إلا الدين، ولشهيد البحر الذنوب والدين».

فاللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واكتب لنا الميتة الكريمة على مثل ما رزقتهم .
ويا أيها الملاعين من بني صهيون وأمثالكم، ليس لكم منا غير قول الله رب العالمين الذي قاله لأمثالكم من قبل.. إن موعدكم الصبح، أليس الصبح بقريب؟!.

صدر عن جبهة علماء الأزهر..
17 من جمادى الآخرة 1431هـ، الموافق 31 مايو - أيار- 2010م.

 
المصدر: جبهة علماء الأزهر