النيجر من احتلال لئيم إلى فقر مهين

ممدوح إسماعيل

النيجر بلد لا يسمع عنه كثير من المسلمين رغم أن أكثر من 95% من سكانه
من المسلمين، وتقع النيجر في غرب أفريقيا، عدد سكانها 15 مليون نسمة،
ومساحتها مليون و27 ألف كم مربع، 80% من مساحتها صحارى، والعاصمة تسمى
"نيامي" واللغة الأولى هي الفرنسية والهاوسا

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

 
النيجر بلد لا يسمع عنه كثير من المسلمين رغم أن أكثر من 95% من سكانه من المسلمين، وتقع النيجر في غرب أفريقيا، عدد سكانها 15 مليون نسمة، ومساحتها مليون و27 ألف كم مربع، 80% من مساحتها صحارى، والعاصمة تسمى "نيامي" واللغة الأولى هي الفرنسية والهاوسا والجارما.

وهى دولة حبيسة؛ أي لا تطل على بحر، وهى من أفقر دول العالم وأقلها نموًا، وفيها أعلى نسبة وفيات أطفال، بسبب الفقر وسوء التغذية، وقد تعرضت لمجاعة شديدة عام 2005 تحدث عنها العالم.
 
 
النيجر كانت مستعمرة فرنسية، حيث قامت فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر بغزو المنطقة، وفي عام 1904 أصبحت النيجر جزءًا مما سُمِّيَ وقتها "إفريقيا الغربية الفرنسية" لكن قبائل الطوارئ -وهم من المسلمين أصحاب التاريخ الحافل- ظلت تقاوم الاحتلال الفرنسي حتى عام 1922 عندما حولت فرنسا النيجر رسميًا إلى مستعمرة فرنسية.
 
وزيادة في الطغيان الفرنسي أصبحت النيجر في عام 1946 واحدة فيما سُمِّيَ "الأقاليم الفرنسية فيما وراء البحار" إمعانا في ظلم الاحتلال، ولها تمثيل نيابي في البرلمان الفرنسي!!!!!
 
 
ورغبة من الطغيان الفرنسي في تجميل وجهه القبيح لاحتلال الدول والعنصرية -قام عام 1957 بإعادة تنظيم البرلمان الفرنسي، حيث كانت أصوات ممثلي البلاد المحتلة غير مساوية لأصوات الفرنسيين!!! ومِنْ ثَمَّ عملوا على إصدار قرار بشأن إلغاء التفرقة في الإدلاء بالأصوات داخل البرلمان، ومنح ممثلي البلاد المحتلة الخاضعة للاحتلال الفرنسي حقوقًا مساوية لأعضاء البرلمان الفرنسي الجنسية، ومِنْ ثَمَّ المشاركة في تشريع القوانين سواء الفرنسية أو تلك المختصة بشئون البلاد المحتلة فيما وراء البحار، الأمر الذي جعل العديد من الدول الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي تحصل على التمتع بشيء من الحكم الذاتي.
وقد خضعت النيجر للحكم الذاتي تحت الاحتلال الفرنسي بعد قيام الجمهورية الخامسة بفرنسا في 4 ديسمبر 1958 حتى نالت النيجر استقلالها الرسمي في 3 أغسطس 1960 وإن ظل للفرنسيين اليد العليا خلف الأبواب في إدارة النيجر.
 
 
ورغم طول فترة الاحتلال إلا أنه عمل على قهر وفقر النيجر بكل الطرق، فلم يتحقق أدنى قدر من التنمية، ولم يفتح المستعمر المحتل النيجر إلا لدخول حملات التنصير للنيجر، وتجنيد أفرادها في حملات الجيش الفرنسي، ومازالت فرنسا رغم الاستقلال تتحكم في كثير من ملفات النيجر وأشهرها اليورانيوم المنتشر في النيجر، ولكن عائده لا يظهر على الشعب الفقير.
ولا يفوتنا الإشارة إلى تقلب النيجر في الانقلابات العسكرية التي ضيعت كثيرا من قوة وتقدم البلاد.
 
ومن الاحتلال للفقر في النيجر نتوقف، فقد بلغ الفقر مبلغًا في النيجر مما جعل النساء -من الجوع والفقر- تتبع أسراب النمل الأبيض كي تعرف أين يخبئ الحبوب!!!
 
 
ومنذ أربعة عشرة قرنًا من الزمان علّم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أمة الإسلام حديثه الشريف: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [رواه مسلم] فتعلم المسلمون أن تتفاعل مشاعرهم وقلوبهم وأحاسيسهم مع إخوانهم المسلمين في كل مكان في كل نائبة أو مصيبة أو ألم.
 
وكم من محنة مرت بها بلاد المسلمين على مدار التاريخ تجلت فيها صور رائعة وتجسيد عملي لهذا الحديث العظيم!!
 
واليوم كم من بلد مسلم، وكم من شعب مسلم يعانى من المصائب، والقليل من إخوانهم مَن يهتم بهم ويشعر بآلامهم وأوجاعهم!!!
 
 
تذكرت هذا الحديث العظيم عندما قرأت تصريحا في 28 أبريل 2010 حذر فيه مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية "جون هولمز" من أن أزمة الغذاء التي تواجهها النيجر قد تتعمق ليصبح الوضع كارثيا، ووصف الحالة بأنها أسوأ من آخر حالة للطوارئ أعلنت عام 2005.
 
ويهدد الجوع هذا العام 7.8 ملايين شخص في النيجر يشكلون نحو 60% من السكان، بعد انهيار الإنتاج الزراعي والحيواني عقب شح الأمطار العام الماضي، وتتوقع الأمم المتحدة أن يزيد الرقم ليواجه نحو عشرة ملايين شخص نقصًا شديدًا في الغذاء بمنطقة جنوب الصحراء.
ويموت الناس جوعًا في النيجر المسلمة المحاطة بسبع دول معظمهم مسلمون!!!
 
 ولعل القارئ يتعجب أن يموت الإنسان من الجوع في زمن يتحير الكثيرون في اختيار أصناف الطعام لغدائه وعشائه !!!
 
 
والحقيقة أن الإنسان والحيوان في النيجر يموتون جوعًا بسبب الفقر وقلة الغذاء والتصحر الذي سبب جفافًا شديدًا في دولة تعتمد زراعتها على الأمطار.
ومن المحزن أن ديننا الإسلامي هو دين الرحمة، ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو رسول الرحمة، يقول الحق: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين} [الأنبياء:107] والرسول هو القائل: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ» [رواه أحمد] وأي خذلان للمسلم في النيجر عندما يموت من الجوع، وهو يرى أطنانا من الطعام في بلاد إسلامية تلقى في الزبالة بعد حفلات واحتفالات باذخة؟!!!
 
 
من قمة الرحمة الإنسانية في ديننا العظيم قولُ الرسول الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- : «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» [رواه البخاري] والكبد المتعطشة لجريان الدم فيها ليست كبد حيوان؛ بل كبد 10 مليون مسلم لا يريدون سيارات وجوالات وأي سلعة ترفيهية، يريدون طعاما؛ عيشا؛ أرزا، قمحا يسدون به جوعهم. 
 
من المحزن أن تعلن الأمم المتحدة أنها تتسول وتحاول جمع 190 مليون دولار لشعب النيجر الفقير المسلم، إلا أنها لم تتمكن إلا من جمع 57 مليونا فقط، ومبلغ الـ190 مليون دولار هو مبلغ إقامة فندق للرفاهية في دولة إسلامية، ومن المؤسف المخجل أن الأمم المتحدة تعلن أنها لم تستطع إلا جمع 57 مليون. يا الله أين المسلمون؟!! أين مليارديرات المسلمين؟!! الذين تتزين بهم مجلات رجال الأعمال، ويتصدرون قائمة أغنى مائة رجل في العالم؟!! بل أين تعاطف وتراحم مليار وأربعمائة مليون مسلم في العالم؟!!
 
ومن المخجل أن تنتشر في بلادنا العربية والإسلامية أدوية وأندية التخسيس، بسبب زيادة الوزن، في الوقت الذي نرى فيه شعب النيجر المسلم جلدًا على عظم؛ بل يموتون بسبب الجفاف والفقر وقلة الغذاء.
 
 
شخصيًا في حياتي لم أقابل أي مسلم من النيجر، ولكنى قابلتهم بقلبي ومشاعري كمسلم، تفرض عليّ مشاركتهم في أحزانهم وآلامهم، فالنبي الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- هو القائل للمسلمين: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [رواه مسلم].
 
أعتقد أن مأساة شعب النيجر جديرة بالاهتمام من كل مسلم على قدر استطاعته، فهم شعب مسلم محافظ على دينه رغم حملات التنصير التي لا تتوقف لتغريب هويته، ونزعها من الإسلام، فقد استطاع المحتل الفرنسي بناء قاعدة غربية فرنسية داخل الشعب في النيجر، مما أدى إلى ظهور صراع واضح المعالم بين المحافظين على الهوية الإسلامية، والمنسلخين الداعين للهوية الغربية بكل مساوئها ورذائلها، الذين استطاعوا فرض العلمانية على الدستور في النيجر، رغم انتماء غالبية الشعب للإسلام، واعتزازه به، فقد دخل الإسلام النيجر في القرن الأول الهجري، ورغم مرور أربعة عشرة قرنًا لم يستطع أعداء الإسلام نزع الإسلام إلا من شرذمة الغارقين في الهوس الغربي.
 

وأخيرًا؛ يقينًا 140 مليون دولار ليست مبلغا كبيرًا على المحسنين في بلاد المسلمين، وبالطبع ليست مبلغًا كبيرًا على بعض الدول العربية والإسلامية التي عرف عن حكامها المسارعة للتبرع للأعمال الإنسانية!!
 
فلله يا محسنين أسرعوا وسارعوا إلى إغاثة شعب مسلم لا يريد غير الغذاء والطعام، والأجر والمثوبة عند الله ولا تتركوهم لوحش التنصير الذي يقدم الغذاء بِيَدٍ والرِّدَّة وسلخ الهوية مستخفية في نفس اليد.
 
 
ممدوح إسماعيل محام وكاتب
[email protected]

 
المصدر: موقع قاوم