كلام أهل السنة في المهدي المنتظر

أحمد علوان

قال ابن تيمية "إن الأحاديث التي يُحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود، والترمذي، وأحمد، وغيرهم، من حديث ابن مسعود وغيره"

  • التصنيفات: الفرق والجماعات الإسلامية -

 كلام أهل السنة في المهدي المنتظر

 أحاديث  المهدي:

لقد ورد أمر المهدي في أحاديث كثيرة، وروايات عدة عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وكان لأهل العلم من أهل السنة كلاماً فيها، سواء من القدامى أو المحدثين، ما بين مصحٍ ومضعِّف، فيرى فريق وهو أكثر أهل السنة أن الأحاديث التي ذكرت المهدي أحاديث صحيحة، فقد قال ابن تيمية[1]: "إن الأحاديث التي يُحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود، والترمذي، وأحمد، وغيرهم، من حديث ابن مسعود وغيره"[2]، ورأى آخر أن الأحاديث الواردة يقوي بعضها بعضاً، ومن هؤلاء الإمام ابن القيم[3]، فبعد أن ذكر أقوال العلماء في المهدي، قال:"وهذه الأحاديث وإن كان في إسنادها بعض الضعف والغرابة، فهي مما يقوي بعضها بعضاً، وتُشد بعضها ببعض"[4].

ومن أهل السنة من عارض فكرة المهدي المنتظر، ومنهم ابن خلدون[5]، فقد قال بعد ذكره لروايات جاءت في المهدي: "فهذه جملة الأحاديث الّتي خرّجها الأئمّة في شأن المهديّ وخروجه آخر الزّمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النّقد إلّا القليل والأقلّ منه"[6].

وكذلك الإمام محمد رشيد رضا، فقد قال معلقاً على أحاديث المهدي:" وأما التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى وأظهر، والجمع بين الروايات فيه أعسر، والمنكرون لها أكثر، والشبهة فيها أظهر، ولذلك لم يعتد الشيخان بشيء من رواياتها في صحيحيهما"[7].

والذي عليه أكثر أهل العلم: أن المهدي وردت فيه أحاديث كثيرة صحيحة وثابتة عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغت حد التواتر المعنوي، فبعد رد الدكتور مصطفى مراد على منكري أحاديث المهدي، وذكر أسماء الأئمة الذين خرجوا الأحاديث في المهدي، واجتهد في عد العلماء الذين أفردوا أحاديث المهدي بالتصنيف، قال:"وليس بعد هذا بلاغ، وبيان، ودفاع، ورد لمن أنكر المهدي المنتظر، فهو حقيقة ثابتة بالنصوص الصريحة"[8].

إذاً اعتقاد أهل السنة هو الإيمان بأحاديث المهدي الثابتة عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما يتفق مع اعتقاد عموم الشِّيَعة في وجوب الإيمان بالمهدي، لكن شتان بينهم، فمن بين الأحاديث التي يرجع إليها أهل السنة كما يتمسك به الشِّيَعة، "عن عبدالله رضي الله عنه  عن النبي  صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي» [9]، وذكر المجلسي عدة روايات في نفس السياق، ومنها: «عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله حتى يبعث رجلاً مني يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً» [10]، وعليه فالشِّيَعة الإمامية ومنهم المهديون يقولون بأن الإمام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري-الإمام الثاني عشر، وأهل السنة يقولون بخلاف ذلك، فالرواية السابقة لم تنص على أحد، ولم تعين أحداً، وهذا هو فهم واعتقاد أهل السنة الصحيح، أما اعتقاد الشِّيَعة الإمامية أو المهديين يقوم على فهم ما يريدون وهذا هو الخطأ بعينه، فالحديث عليهم لا لهم، وقد يعتمدون على رواياتهم المكذوبة على النبي  صلى الله عليه وسلم  والصحابة وآل بيته، ومن الروايات التي جاء فيها أن المهدي هو الإمام الثاني عشر-محمد بن الحسن العسكري-، "ما ورد عن عباية بن ربعي عن جابر أنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : أنا سيد النبيين وعليّ سيد الوصيين، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر، أولهم عليّ، وآخرهم القائم المهدي"[11].

والدليل على أن المهدي عند الشِّيَعة الإمامية الاثني عشرية من ولد الحسين، ما جاء في الغيبة للنعماني، عن أبي عبدالله-جعفر بن محمد- في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة ‡ وصفاتهم، فقال:...فلم يزل الله يختارهم لخلقه من ولد الحسين  عليه السلام من عقب كل ولد..."[12].

وعلى ذلك يرد علماؤنا من أهل السنة، "أما الشِّيَعة الاثنا عشرية فقد أسندوا المهدوية إلى آخر أئمتهم محمد بن الحسن العسكري الذي يقولون بأنه دخل السرداب بسامراء بعد موت أبيه وعمره إما سنتان وإما ثلاث وإما خمس علماً بأن بعض المؤرخين وعلماء الأنساب كالطبري وغيره يشكون في وجود محمد بن الحسن أساساً، ويذهبون إلى أن الحسن بن علي العسكري لم ينسل ولم يعقب، هذا بالإضافة إلى أن محمد بن الحسن إن وجد فهو من نسل الحسين وليس من نسل الحسن، وإن اتفق اسمه مع اسم النبي  صلى الله عليه وسلم  فإن اسم أبيه الحسن وليس عبدالله كاسم والد النبي كما وردت بذلك الأحاديث"[13].

وذكر الإمام ابن القيم من أحد أقوال العلماء الأربعة في المهدي، "القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي، من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان، وقد امتلأت الأرض جوراً وظلماً، فيملؤها قسطاً وعدلاً، وأكثر الأحاديث على هذا تَدل"[14].

وفيما تقدم من كلام أهل السنة رد على اليماني واعتقاده والذي يشارك الإمامية في اعتقادهم في مسألة المهدي.

 


[1] هو: أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي،أبو العباس، تقي الدين ابن تيمية، ولد في حران 661ه، ومات معتقلاً بدمشق 728ه، له تصانف كثير، منها: السياسة الشرعية، الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان. انظر: الأعلام للزركلي، ج1/144.

[2] منهاج السنة النبوية، ج8/254.

[3] هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزُّرعي الدمشقي، أبو عبدالله، شمس الدين، مولده ووفاته بدمشق،[691ه-751ه]، تتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية، وألف تصانيف كثيرة، منها: إعلام الموقعين ع رب العالمين، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية. انظر: الأعلام للزركلي، ج6/56.

[4] المنار المنيف في الصحيح والضعيف، للإمام ابن القيم، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، ص152، ط1/1390ه = 1970ه، نشر مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب.

[5] هو: عبدالرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد، ولي الدين الحضرمي الإشبيلي، الفيلسوف المؤرخ، العالم الاجتماعي البحاثة، ولد بتونس723ه، توفي في القاهرة 808ه. انظر: الأعلام للزركلي، ج3/330.

[6] مقدمة ابن خلدون، ص401.

[7] تفسير المنار، ج9/416، سنة النشر: 1990م، الهيئة المصية العامة للكتاب.

[8] انظر: نهاية العالم، الدكتور مصطفى مراد، ص187، ط2/1434ه = 2013م، دار الفجر للتراث، القاهرة.

[9] أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي (209ه- 279هـ)، جامع الترمذي، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر (ج 1، 2)، ومحمد فؤاد عبد الباقي (ج 3)، وإبراهيم عطوة عوض (ج 4، 5)، أبواب الفتن عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء في المهدي، (ج4/505،2230)، ط2/ 1395ه = 1975م، مطبعة مصطفى البابي الحلبي- مصر.

[10] بحار الأنوار الجامعة، ج51/74و75. (مرجع سابق).

[11] ينابيع المودة، تأليف: الشيخ القندوزي الحنفي، (الجزء الأول-الثالث)، الباب(77)، ص503، ط1/1418ه = 1997م، مؤسسة الأعلمي للطبوعات، بيروت-لبنان.

[12] راجع: الغيبة، للنعماني، ص231و232.

[13] دراسة عن الفرق وتاريخ المسلمين، ص159(مرجع سابق).

[14] المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ص151(مرجع سابق).