شبهات حول الشريعة الإسلامية

اقتصر مفهوم الشريعة الإسلامية عند الغربيين على جزء منها، وهو الجزء المتعلق بالحدود الشرعية، فالتصور الغربي ينطلق من أن الشريعة الإسلامية قاسية ووحشية؛ لأنها تُطَبِّقُ القتل والقطع خاصة في جرائم السرقة والزنا، ثم يحكم الغرب انطلاقًا من فَهْمِهم هذا على الإسلام بأنه وَحْشِيٌّ وظلامِيٌّ، وغير إنساني؛ ولذا فهو لا يصلح للمجتمعات المعاصرة، ولا يتواءم مع الديمقراطية.

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - ماذا قالوا عن الإسلام -
شبهات حول الشريعة الإسلامية

الإسلام عقيدة وشريعة، ولا يمكن الفصل بينهما، والعقيدة هي أساس الدين وتقوم عليها تشريعاته، بينما الشريعة هي الأحكام التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وصدرت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي جاءت لتنظِّمَ الأمور الدنيوية، والعبادات، والمعاملات بين الناس بِناءً على الشكل الذي يُرضِي الله عز وجل، والتي أصدر لها أحكامًا خاصة بها تتناسب مع طبيعة الإنسان.

 

والشريعة - في اللغة -: تطلق على الطريق الواضح[1]، واستُعير لكل طريقة موضوعة بوضع إلهيٍّ ثابت من نبي من الأنبياء[2].

 

أما في الاصطلاح الشرعي: فهي الأحكام التي شرعها الله لعباده؛ سواء أكان تشريع هذه الأحكام بالقرآن، أم بسُنَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، فالشريعة الإسلامية في الاصطلاح ليست إلا هذه الأحكام الموجودة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، والتي هي وحيٌ من الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليلقيَها إلى الناس[3]، والشريعة والشِّرْعَةُ: ما سَنَّ الله تعالى من الدين وأمر به؛ كالصوم، والصلاة، والحج، والزكاة، وسائر أعمال البر[4].

 

ومع التأكيد على وحدة الدين الإلهي في أصله ومضمونه، فإن هناك اختلافًا واضحًا بين الأديان السماوية فيما يتعلق بالشرائع؛ نظرًا لأن هذه الشرائع في الأديان التي سبقت الإسلام كانت محدودة بحدود الزمان والمكان، ومتغيرة بحسب الظروف والأحوال[5]، فإذا كانت رسالات الرسل قد تعددت، فليس معنى ذلك أنها كانت مختلفة في أصولها وأهدافها؛ فالدين الذي شرعه الله للبشرية دينٌ واحدٌ في أصله ومضمونه[6]؛ يقول تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13].

 

وقد اتفقت جميع الرسالات التي أُنزلت من عند الله سبحانه وتعالى على عبادة الله وحده، وعبادتُه تكون بما شرعه وليس بالأهواء، وطاعة أوامره واجتناب ما نهى عنه، وعدم الشرك به، وهذه العقائد لا يمكن أن تتغير من رسولٍ إلى رسول، ولا من رسالة إلى أخرى.

 

وإذا كانت العقائد ثابتة لا تتغير، فإن الشرائع أمرها ليس كذلك، فقد راعى الله سبحانه وتعالى أحوال المُكلَّفين، ومداركهم، ومستويات تفكيرهم في تنزيل الشريعة التي تلائم كل عصر؛ فاختلفت شرائع كل رسول بحسب أحوال الناس في كل زمان ومكان، ولما جاء الإسلام نَسَخَ كلَّ الشرائع السابقة بشريعته الشاملة، ورسوله المرسل إلى الناس كافة[7]؛يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28].

 

إن تحكيم الشريعة في الإسلام من لوازم الإيمان ومقتضى الإسلام؛ لذلك يخاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم قائلًا[8]: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، ويقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، فلا يكتمل إيمان المؤمن إلا بتحكيم شرع الله عز وجل: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59].

 

فالشريعة في الإسلام شرط للإيمان ومكمِّلَةٌ له، ولا يصحُّ إيمانُ عبدٍ من غير تحقيق الشريعة وتطبيقها؛ أي: العمل بها، وفي التشريع الإسلامي موازنةٌ دقيقة بين التكليف والاستطاعة، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها[9]؛ يقول تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

 

تهدف الشريعة الإسلامية فيما تهدف إليه إلى تحقيق مصالح الناس، وجلب المنفعة لهم، ورفع الضرر والمفاسد والحرج عنهم؛ ولذلك نجد أن الدين يقوم على التيسير والسماحة في كل جوانبه[10]؛ وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، والمسلمون وسط في الشريعة، لم يبتدعوا شرعًا لم يأذن به الله.

 

وقد راعت الشريعة الإسلامية الضروراتِ والحاجاتِ والأعذار التي تنزل بالناس؛ فقدَّرتْها حقَّ قدرِها، وشرعت لها أحكامًا استثنائية تناسبها، وفقًا لاتجاهها العام في التيسير على الخلق، ورفع الآصارِ والأغلال التي كانت عليهم في بعض الشرائع السابقة؛ فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان؛ لتغيُّرِ عُرْفِ أهله، أو لحدوث ضرورة، أو فساد أهل الزمان؛ بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولًا، لَلَزِمَ منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير، ودفع الضرر والفساد، لبقاء العالم على أتمِّ نظام وأحسنِ إحكام[11].

 

ومن القواعد المهمة في تطبيق النصوص الشرعية: مراعاة المصلحة، ومراعاة المآل، والتدرُّجُ، وسَدُّ الذريعة.

 

إن المقصد العام للشارع من تشريع الأحكام هو تحقيق مصالح الناس في هذه الحياة؛ بجلب النفع لهم، ودفع الضرر عنهم[12]، فالشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها[13]، وشرعت الأحكام التي تحفظ الدين، وتحفظ النفس، وتحفظ العقل، وتحفظ النسل أو العِرْضَ أو النسب، وتحفظ المال[14]، واتفقت الأمة - بل سائر المِلَلِ - على إن الشريعة وُضعت للمحافظة على هذه الضروريات... وعِلْمُها عند الأمة كالضروري[15]، والعلم الضروري هو الذي يضطر الإنسان إليه بحيث لا يمكنه دَفْعُهُ[16].

 

ويقول ابن القيم رحمه الله: "فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عَدْلٌ كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَوْرِ، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العَبَثِ، فليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل"[17]، وإذا أدى استجلاب المصلحة إلى مفسدة تُساوِي المصلحة، أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعًا من إطلاق القول بالمشروعية، وربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تُساوِي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية[18].

 

والنظر في مآلات الأفعال مُعتَبَرٌ مقصود شرعًا؛ سواء كانت الأفعال موافقة أو مخالفة؛ وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل[19]، فاعتبار المآل يعني الاعتداد بآثار الأفعال الصادرة عن المكلفين، وبنتائج تنزيل المجتهد للأحكام على الواقع[20]، واعتبار المآل هو الأصل الشرعي المعتبر الذي يُبرِزُ صلاحية الشريعة للتطبيق عبر الأزمنة، على اختلاف العادات والأعراف وتجدُّدِ النوازل[21].

 

أما الذريعة، فهي الوسيلة التي يُتَوَصَّلُ بها إلى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة، وسد الذرائع من أعظم القواعد والأصول التي تساير بها السياسة الشرعية ما يَجِدُّ من وقائعَ وحوادثَ لا نصَّ فيها، فإن وليَّ الأمر في الأمة إذا رأى شيئًا من المباحات قد اتخذه الناس - عن قصد - وسيلةً إلى مفسدة، أو إنه بسبب فساد المجتمع أصبح يُفضِي إلى مفسدةٍ أرجح مما يفضي إليه من مصلحة - كان له أن يمنعه ويسُدَّ بابه، ويكون هذا المنع من الشريعة؛ لبنائه على قاعدة شرعية؛ هي «قاعدة سد الذرائع»[22].

 

أما قاعدة التدرج، فلن يستغنيَ عنها التشريع الإسلامي في جميع مراحله، والتدرج في تطبيق الشريعة من قواعد مراعاة المصلحة، وهو تدرج في التنفيذ، وليس تدرجًا في التشريع؛ لأن التشريع قد تمَّ واكتمل باكتمال الدين[23].

 

تشتمل الشريعة الإسلامية على جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالعقيدة، أو الأخلاق، أو العبادات، أو المعاملات[24]، وفهم النصوص وتطبيقها على الوقائع متوقف على معرفة مقاصد الشريعة، وحفظ مصالح الناس[25]، ومقاصد الشريعة هي تلك المصالح التي تتحقق في حياة الناس عند تطبيق الأحكام الشرعية فيها، أو هي أحكام شُرِعت من أجل تحقيق تلك المقاصد[26].

 

اقتصر مفهوم الشريعة الإسلامية عند الغربيين على جزء منها، وهو الجزء المتعلق بالحدود الشرعية، فالتصور الغربي ينطلق من أن الشريعة الإسلامية قاسية ووحشية؛ لأنها تُطَبِّقُ القتل والقطع خاصة في جرائم السرقة والزنا، ثم يحكم الغرب انطلاقًا من فَهْمِهم هذا على الإسلام بأنه وَحْشِيٌّ وظلامِيٌّ، وغير إنساني؛ ولذا فهو لا يصلح للمجتمعات المعاصرة، ولا يتواءم مع الديمقراطية.

 

فالغرب لديه تصور مُسبَقٌ نتيجةَ عواملَ كثيرةٍ؛ من ضمنها: آلة الدعاية اليهودية والصهيونية النصرانية بأن الإسلام دين وحشي وقاسٍ في تعامله مع المخطئين، وتشريعه قوانين قاسية ودموية، والحقُّ أن الدين الإسلامي إنما شرع بعض العقوبات للحفاظ على الحياة الإنسانية، ولردْعِ الأشرار عن المَسَاسِ بأمن المجتمع، ولقطع الطريق أمام كل من تُسَوِّلُ له نفسه الإضرار بحياة الجماعة.

 

معنى الحد في اللغة: المنع، ويُطلَق على العقوبة التي وضعها الشارع لمرتكب الجريمة؛ وذلك لأنها سبب في منع مرتكب الجريمة من العودة إليها، وسببٌ في منع من له مَيْلٌ إلى الجريمة.

 

وشرعًا: هو العقوبة المُقدَّرة حقًّا لله تعالى[27].

 

وثمرة الحد: رفع الفساد الواقع في المجتمع، وحفظ النفوس من الهلاك، وحفظ الأعراض والأنساب من الاختلاط، وحفظ الأموال سالمة من الابتذال والانتهاك [28]، فالحدود المترتبة على الجرائم هي حق من حقوق الله تعالى على عباده، وفي حال وجوبها، فلا يحلُّ لأيِّ أحد أن يشفع فيها، أو يُسقطَها، أو يُخفِّفَها.

 

وقد حرصت الشريعة الإسلامية على حياة الإنسان، وإن الحدود نفسها إنما وُضعت لأجل تحقيق هذه المقاصد، مع التأكيد على أن تطبيق حدَّي السرقة والزنا في الإسلام محاطٌ بسياج من الاحتياطات والضمانات القانونية والقضائية، تجعل العقوبتَيْنِ رادعتَيْنِ أكثر من كونهما عقوبتَيْنِ واسعتَي التطبيق، خاصة عقوبة الزنا، التي لا يمكن توفر شروط تطبيقها إلا بالإقرار[29].

 

بينما في الشريعة اليهودية، توجد جرائم عديدة عقوبتها الرجم عند اليهود؛ مما يجعلنا نعتقد أن الرجم شريعة يهودية بامتياز، ومن هذه الجرائم التي ذكرتها التوراة:

جريمة الزنا[30]، والرِّدَّة عن الدين[31]،والتمرد على الوالدين، والإسراف والسُّكْر[32]، والغُلُول في الحرب[33]، والعمل في يوم السبت[34]، والتذمر والتمرد على الرب[35].

 

وبذلك نلاحظ أن الرجم عقوبة توسَّعَ اليهود في تطبيقها كثيرًا، وهي عقوبة ترتبت على حالات كثيرة، وفي الإسلام تعتبر هذه الحالات أيضًا من الكبائر، وقد وُضِعَ لكلٍّ منها عقوبات خاصة بها، فحرَّم الإسلام عصيان أوامر الله سبحانه وتعالى، والاعتراض على حكمه؛ يقول تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر: 54]، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 46].

 

وحثَّ الإسلام على طاعة الوالدين وعدم عقوقهما: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

 

وكذلك حثَّ الإسلام على العمل، وأمر به، حتى في يوم الجمعة الذي له أهمية خاصة عند المسلمين؛ يقول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمس يومُ الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدم، وفيه أُدخِلَ الجنة، وفيه أُخرِج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» [36]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أضلَّ الله عن الجمعة مَن كان قبلنا؛ فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تَبَعٌ لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضيُّ لهم قبل الخلائق»، وفي رواية: ((المقضي بينهم))[37].

 

ويقول تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198].

 

أما الزنا، فلأنه جريمة قبيحة ومُستنكَرة، وله ضرر كبير على المجتمع - فقد شرع الله تعالى له الرجم، وهي عقوبة تتناسب مع فداحة هذا الأمر، ومع ذلك فقد نُفِّذ هذا الحد في الإسلام في حالات قليلة جدًّا، ورُوعي فيه شروط كثيرة؛ من ضمنها: إقرار الزاني على نفسه، والزنا جريمة مُستقبَحة في كل الديانات؛ فقد حذر بولس الرسول منه، فكتب يقول: "كتبت إليكم في الرسالة ألَّا تخالطوا الزناة"[38]، وقوله: "اهربوا من الزنا"[39]، والسارق عند اليهود يموت، تقول التوراة: "إذا وُجد رجل قد سرق نفسًا من إخوته بني إسرائيل، واسترقَّهُ وباعَهُ، يموت ذلك السارق؛ فتنزع الشر من وسطك"[40].

 

والغُلُول في الحرب من الجرائم المنهيِّ عنها في الإسلام: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}  [آل عمران: 161].

 

وبذلك نلاحظ أن الشريعة الإسلامية هي شريعة وسط بين الشرائع الأخرى، وهي تعمل على الحفاظ على مصالح الناس، وما تشريعها بعضَ العقوبات إلا لرَدْعِ المتجاوِزين، ولمنعهم من الإقدام على إلحاق الضرر بالجماعة الإنسانية، التي تُقدَّم مصلحتها على مصلحة الفرد، وقد جاءت الشريعة الإسلامية متوافقة مع الفطرة الإنسانية؛ من حيث وسطيتها، ومراعاتها الأعذارَ والحاجاتِ التي تنزل بالناس، والتيسير على الخلق، ورفع الحَرَجِ عنهم.

______________________________________________________

المصادر:

♦ القرآن الكريم.

♦ التوراة + الإنجيل.

 

1) الإسلام عقيدة وشريعة، الشيخ محمود شلتوت، دار الشروق، مصر، الطبعة الثامنة عشرة، 1421هـ - 2001م.

 

2) الإسلام الممكن: دراسة تأصيلية في فقه المسافة بين فهم النص وتطبيقه، ماهر بن محمد عديان القرشي، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت - لبنان، دار وجوه للنشر والتوزيع، الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 2013م.

 

3) إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر بن أيوب؛ ابن قيم الجوزية (المتوفي سنة 751هـ)، دار ابن الجوزي للنشر، السعودية، الطبعة الأولى، 1423هـ.

 

4) إغاثة اللهفان، محمد بن أبي بكر بن أيوب؛ ابن قيم الجوزية (691 - 751هـ)، تحقيق محمد عزير شمس، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع.

 

5) أضواء على الثقافة الإسلامية، الدكتور أحمد فؤاد محمود، إشبيليا للنشر، الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م.

 

6) صحيح مسلم المسمى المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 - 261هـ)، دار طيبة للنشر، الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 1427هـ - 2006م.

 

7) العقيدة الدينية وأهميتها في حياة الإنسان، الدكتور محمود حمدي زقزوق (عضو مجمع البحوث الإسلامية، وعميد كلية أصول الدين)، الأزهر، مجلة الأزهر، 1415هـ.

 

8) علم أصول الفقه، عبدالوهاب خلاف، مكتبة الدعوة الإسلامية، الأزهر، الطبعة الثامنة.

 

9) القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي توفي 817هـ، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة الثامنة، 1426هـ - 2005م.

 

10) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، تأليف عبدالرحمن الجزيري، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1422هـ - 2003م.

 

11) الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسني الكفوي (توفي: 1094 - 1683م)، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1419هـ - 1998م.

 

12) لسان العرب، الإمام أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري (630 -711هـ)، دار صادر، بيروت - لبنان.

 

13) مبدأ اعتبار المآل في البحث الفقهي، دكتور يوسف بن عبدالله حميتو، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 2012م.

 

14) مجموعة رسائل ابن عابدين، محمد أمين أفندي الشهير بابن عابدين.

 

15) مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، بدر الدين محمد بن علي الحنبلي المتوفي 777هـ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1405هـ - 1985م.

 

16) المدخل إلى السياسة الشرعية، عبدالعال أحمد عطوة، الرياض، الطبعة الأولى، 1414هـ - 1993م.

 

17) المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، الدكتور عبدالكريم زيدان، دار عمر بن الخطاب للطبع والنشر، مصر، 2001م.

 

18) مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، الدكتور عبدالمجيد النجار، دار الغرب الإسلامي، دار صادر، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 2008م.

 

19) الموافقات، إبراهيم بن موسى الشاطبي (توفي سنة 790هـ)، علق عليه وخرج أحاديثه أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، السعودية، الطبعة الأولى، 1417هـ - 1997م، الجزء الخامس.

 

20) الموافقات، العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي (توفي: 790هـ)، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1417هـ - 1997م، المجلد الثاني.

 

21) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، الإمام الحافظ أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (773 - 852هـ)، تحقيق وتعليق دكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي، الرياض، الطبعة الأولى، 1422هـ - 2001م.

 

22) الوسطية في الفكر الإسلامي، الدكتور مجدي محمد سرور باسلوم، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1425هـ - 2004م.

 

23) يسألونك عن الشريعة، دكتور صلاح الصاوي رئيس الجامعة الدولية، وأمين عام مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا، مصر، 1432هـ - 2011م.

 


[1] لسان العرب، الإمام أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري (630 - 711هـ)، دار صادر، بيروت - لبنان، مادة: شرع، المجلد الثامن، ص: 175، القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي توفي 817ه، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة الثامنة، 1426ه - 2005م، مادة: شرع، ص: 732 – 733، الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسني الكفوي (توفي: 1094ه - 1683م)، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، الطبعة الثانية، 1419ه - 1998م، مادة الشرع، ص: 524.

[2] الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء أيوب بن موسى الحسني الكفوي، مادة: الشرع، ص: 524.

[3] القاموس المحيط، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي الشيرازي، مادة: شرع، ص: 733، والمدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، الدكتور عبدالكريم زيدان، دار عمر بن الخطاب للطبع والنشر، مصر، 2001م، ص: 39.

[4] لسان العرب، الإمام أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، مادة: شرع، المجلد الثامن، ص: 176.

[5] العقيدة الدينية وأهميتها في حياة الإنسان، الدكتور محمود حمدي زقزوق (عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية أصول الدين)، الأزهر، مجلة الأزهر، 1415ه، ص: 19.

[6] المصدر السابق، ص: 19.

[7] أضواء على الثقافة الإسلامية، الدكتور أحمد فؤاد محمود، إشبيليا للنشر، الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 1421ه - 2000م، ص: 258.

[8] الوسطية في الفكر الإسلامي، الدكتور مجدي محمد سرور باسلوم، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1425ه - 2004م، ص: 98.

[9] الوسطية في الفكر الإسلامي، الدكتور مجدي محمد سرور باسلوم، ص: 98 - 100.

[10] الوسطية في الفكر الإسلامي، الدكتور مجدي محمد سرور باسلوم، ص: 104.

[11] مجموعة رسائل ابن عابدين، محمد أمين أفندي الشهير بابن عابدين، الجزء الثاني، ص: 125.

[12] علم أصول الفقه، عبدالوهاب خلاف، مكتبة الدعوة الإسلامية، الأزهر، الطبعة الثامنة، ص: 198.

[13] مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، بدر الدين محمد بن علي الحنبلي (المتوفي 777ه)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1405ه - 1985م، ص: 383.

[14] الموافقات، العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي (توفي: 790ه)، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1417ه - 1997م، المجلد الثاني، ص: 20، وعلم أصول الفقه، عبدالوهاب خلاف، ص: 199.

[15] الموافقات، العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي، المجلد الأول، ص: 31.

[16] نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، الإمام الحافظ أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني (773 - 852ه)، تحقيق وتعليق دكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي، الرياض، الطبعة الأولى، 1422ه - 2001م، ص: 41.

[17] إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر بن أيوب؛ ابن قيم الجوزية (المتوفي سنة 751ه)، دار ابن الجوزي للنشر، السعودية، الطبعة الأولى، 1423ه، الجزء الثاني، ص: 89.

[18] الموافقات، إبراهيم بن موسى الشاطبي (توفي سنة 790ه)، علق عليه وخرج أحاديثه أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، السعودية، الطبعة الأولى، 1417 ه - 1997م، الجزء الخامس، ص: 177 - 178.

[19] المصدر نفسه، الموافقات، إبراهيم بن موسى الشاطبي، الجزء الخامس، ص: 177.

[20] مبدأ اعتبار المآل في البحث الفقهي، دكتور يوسف بن عبدالله حميتو، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 2012م، ص: 347.

[21] المصدر نفسه، ص: 11.

[22] المدخل إلى السياسة الشرعية، عبدالعال أحمد عطوة، الرياض، الطبعة الأولى، 1414ه - 1993م، ص: 154، 163.

[23] يسألونك عن الشريعة، دكتور صلاح الصاوي رئيس الجامعة الدولية، وأمين عام مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا، مصر،1432ه - 2011م، ص: 296.

[24] المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، الدكتور عبدالكريم زيدان، ص: 62، 63، 65.

[25] الإسلام الممكن: دراسة تأصيلية في فقه المسافة بين فهم النص وتطبيقه، ماهر بن محمد عديان القرشي، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت - لبنان، دار وجوه للنشر والتوزيع، الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 2013م، ص: 31، 68.

[26] مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، الدكتور عبدالمجيد النجار، دار الغرب الإسلامي، دار صادر، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 2008م، ص: 267.

[27] كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، تأليف عبدالرحمن الجزيري، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الثانية، 1422ه - 2003م، الجزء الخامس، ص: 11 - 12.

[28] المصدر نفسه، الجزء الخامس، ص: 47.

[29] الشريعة في التصور الغربي، عبدالسلام بلاجي، موقع الجزيرة نت.

[30] سفر التثنية: الإصحاح الثاني والعشرون: الآيات من 21 - 22.

[31] سفر التثنية: الإصحاح الثالث عشر: الآيات من 6 - 10.

[32] سفر التثنية: الإصحاح الحادي والعشرون: الآيات من 18 - 21.

[33] سفر يشوع: الإصحاح السابع: الآيات من 24 - 26.

[34] سفر العدد: الإصحاح الخامس عشر: الآيات من 32 - 36.

[35] سفر العدد: الإصحاح الرابع عشر: الآيات من 3 - 10.

[36] صحيح مسلم المسمى المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 - 261ه)، دار طيبة للنشر، الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 1427ه - 2006م، كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة، حديث: 854، ص: 380.

[37] المصدر نفسه، صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، حديث: 22 - 856، ص: 381.

[38] رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس: الإصحاح الخامس: الفقرة 9.

[39] المصدر نفسه: الإصحاح السادس: الفقرة 18.

[40] سفر التثنية: الإصحاح الرابع والعشرون: آية رقم 7.

_______________________________________________

الكاتب: ميسون سامي أحمد