رسالة إلى رواد المسجد

منذ 2024-05-05

فيا عُمارَ المَسَاجِدِ احرِصُوا عَلى عِمارتِهَا حسىً ومعنىً، لتستمرَ فِي أداءِ رسَالتِهَا الخَالدَةِ، ودورِهَا العظيمِ في حياةِ الأمةِ.

يَا رُوادَ بُيوتِ اللهِ فِي الأرضِ، يَا مَنْ أعدَّ اللهُ لكُم نُزلًا في الجنَّةِ، كلمَا غَدوتُمُ إلى المساجِدِ أوْ رُحتُمُ، تولونَ وجُوهَكُم شطرَ المسجدِ الحرامِ؛ اعلمُوا أنَّ اللهَ تَعَالى قدْ رَفعَ منزلةَ المساجِدِ، وعظَّمَهَا بأنْ نسبهَا إليِهِ، فليستْ لأحدٍ سِوَاهُ؛ فقال سُبْحَانهُ:  {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]؛ فكانَ علينَا أنْ نُعظِّمهَا وأنْ نعرفَ لهَا حَقهَا الذي وجدتْ مِنْ أجله، فهيَ جزءٌ لا يتجزأُ مِنْ كِيَانِ المجتمعِ المُسلمِ، وأذنَ اللهُ أنْ ترفعَ، وأنْ تكونَ بقاعًَا طَاهِرَةً تتنزلُ فيهَا الرَحمَاتُ، وتَهبِطُ فِيهَا المَلائِكَةُ؛ قَالَ تعَالى:  {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ} [النور: 36، 37].

 

المسَاجِدُ كَانتْ -ولا زَالتْ- قلاعَ الإيمَانِ، وحُصُونَ الفضيِلَةِ، وبيوتَ الأتقياءِ، ومواردَ الخيرِ، ومجامَعَ الأمةِ، ومواضِعَ الأئِمَةِ.

 

فيا عُمارَ المَسَاجِدِ احرِصُوا عَلى عِمارتِهَا حسىً ومعنىً، لتستمرَ فِي أداءِ رسَالتِهَا الخَالدَةِ، ودورِهَا العظيمِ في حياةِ الأمةِ.

 

إنَّ الصَلاةَ صِلةٌ بينَ العبدِ ورَبِهِ، يَقِفُ بينَ يديِهِ ينَاجِيِهِ، ويَقرأُ كلامَهُ، فيلزَمُ أنْ يَكُونَ فِي هَذا الموقِفِ العَظيمِ عَلى أحسَنِ هيئةٍ وأتَمِ حَالٍ؛ ومَنْ هُنَا وجبتْ لهَا طهَارةُ البَدنِ والثوبِ والبُقْعَةِ، وكانتْ الطَهَارَةِ مِنَ الأحداثِ والأنجاسِ شرطًَا فِي صحَةِ الصلاةِ.

 

وإنَّ مِنْ آدابِ المَسَاجِدِ، المُحَافظةُ عَلى المظهَرِ الحَسَنِ؛ عَمَلًا بقولِهِ تَعَالى:  {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.[2] قالَ ابنُ كثيرٍ: " ولهذهِ الآيةِ، ومَا وَرَدَ في معنَاهَا مِنَ السُنَّةِ: يُستَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِندَ الصَلاةِ، ولا سيَّمَا الجُمَعةِ، ويَومَ العِيدِ، والطِّيبُ لأنهُ مِنَ الزِّينَةِ، والسِّواكُ لأنهُ مِنْ تَمَامِ ذلكَ" [3]، وقالَ ابنُ عَبدِ البَرِ:" إنَّ أهلَ العِلمِ يستَحبّونَ للواحِدِ المطيقِ عَلى الثيابِ أنْ يتجملَ في صلاتِهِ مَا استطاعَ من ثيابِهِ وطيبِهِ وسواكِهِ"[4]، وسُئلَ النبيُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرجُلِ يُحبُ أنْ يكونَ ثوبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حسَنَةً، فقالَ: «إنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُ الجَمَالَ، الكِبرُ بَطرُ الحَقِ وغَمْطُ النَّاسِ» (رَوَاهُ مُسلمٌ)  [5].

 

ومِنَ النَّاس مَنْ لا يَهتمُ باللباسِ عِندَ خُروجِهِ للصلاةِ، فيُصلِي بثيابِهِ التي عليهِ، ولو كَانتْ رَثَةً أو لهَا رَائِحَةٌ كَريهَةٌ، كقَميصِ المِهنَةِ، ورداءِ العَملِ، أو ثيابِ النَّومِ، ولا يُكلفُ نفسَهُ بتبديلهَا، فيؤذِي المُصلينَ بِدَرَنِهَا، ويُزْكِمٌ أنُوفَهم بنَتَنِ رِيحِهَا، ويلوثُ فرشَ المَسْجِدِ بوسخِهَا، مَعَ أنَّ الواحدَ منهُم لو أرادَ مقابلةَ شخصٍ لَه جَاهٌ أو منصِبٌ، أو الذهَابَ لمناسبةٍ؛ مَا ذَهَبَ بهذِهِ الثيابِ، بلْ يرتدي أجملَ ما يملكُ، ويتطيبُ بأحْسِنِ مَا يَجدُ، فكيفَ يَهتمُ للوقوفِ أمَامَ المخلوقِ ولا يهتمُ للوقوفِ أمامَ الخالقِ؟ وهذا تساهلٌ في تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَلاةِ، واللهُ أحْقُ أنْ يُتَجملَ لَهُ!

 

فَحَريٌ بالمُسلمِ أنْ يستشعرَ عَظمةَ مَنْ يقفُ بينَ يديِهِ، وأنَّهُ فِي بيتٍ مِنْ بيوتِهِ، ولا رَيْبَ أنَّ الوقوفَ أمَامَ ربِ العَالمينَ يَستدْعِي حُسْنَ المنظرِ، وبهاءَ الطلعَةِ، وإنَّ إظهارَ المسَاجِدِ بالمظهرِ اللائِقِ والرائحَةِ الطيبةِ، وحُسنَ الهندَامِ، ممَا يُعينُ عَلى العِبَادَةِ.

 

وإنَّ بعضَ المُصلينَ -هدَاهُم اللهُ- يَخرجُ الى المسجِدِ بمظهرٍ مزرٍ؛ فهذَا يرتادهَا بلباسٍ شفافٍ يَصفُ العورةَ، وآخرُ تأثرَ بثيابٍ غريبةٍ على المسلمين يقلدُ غيرَهم، ومنْ تشبهَ بقومٍ فهوَ مِنهُم!

 

إنَّ مِنْ تمامِ حسنِ الهيئةِ أنْ يكونَ المُصلي طيبَ الرائحَةِ، بعيدًا عَنْ كُلِ مَا لَهُ رائحةٌ كريهةٌ، كالثومِ والبصلِ والكُراثِ؛ قَالَ النبيُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أكلَ مِنْ هذِهِ الشجرةِ -يريدُ الثومَ- فلا يغشانَا في مساجِدِنَا»[6]، وقالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أكلَ البصَلَ والثومَ والكُرَاثَ فَلا يَقربَنّ مَسْجِدَنَا، فإنَّ الملائكةَ تتأذى ممَا يتأذى مِنهُ بَنُو آدمَ»[7]، وإذا كَانَ هذَا فِي أكلِ الثومِ والبصلِ والكُراثِ، وهي مِنَ المُباحَاتِ؛ فكيفَ يكونَ حُكمُ شُربِ الدُخَانِ، وهوَ مُحرَمٌ شَرعًَا، لأنَّهُ إضَاعَةٌ للمالِ، ومُضرٌ بالصحَةِ، وكيفُ ينَاجِي العبدُ رَبَهُ بتلاوةِ كِلامِهِ وذكرِهِ ودعائِهِ بِهذِهِ الرائحَةِ الكريهةِ؟ فاربَأ بنفسِكَ -أخِي المُصلي- عَنْ أذيةِ إخوانِكَ المُصلينَ، وملائكِةِ اللهِ المُقربينَ.

 

يا رجالًا تُحبونَ أنْ تتطهرُوا، حافِظوا على نظَافةِ المسَاجِدِ؛ فهي شعارُ الإسلامِ، ومكانُ اجتماعِ المُسلمينَ خَمسَ مَراتٍ فِي اليومِ والليلةِ، وأطْهرُ بقعةٍ يتربى فيهَا المُسلمُ ليكونَ فردًا صالحًَا بإذنَّ اللهِ تَعَالى؛ فكانَ لابُد مِنْ الاهتمامِ بنظافتِهَا، لتكونَ لائقةً لاستقبالِ المُصلينَ، وأداءِ العبادةِ بنفسٍ طيبةٍ، وقدْ رَأى النبيُ صلى الله عليه وسلمنُخَامةً في جِدَارِ المَسْجِدِ فتغيرَ وَجْهُهُ، مُنكرًا ذلكَ الفعلَ، وآمِرًا بإزالتِهِ.

 

يَا عُمَارَ بيوتِ اللهِ، إنَّ لهذِهِ البيوتِ منزلَةً رفيعَةً، ومكانةً عَاليةً في النَّفوسِ، ولذلكَ فهيَ تختلفُ عَنْ غَيرِهَا مِنَ الأمَاكِنِ التي يرتادُهَا النَّاسُ؛ بمَا لهَا مِنْ آدابٍ فاضِلةٍ، وسلوكياتٍ مثاليةٍ؛ بالمشيِ إليهَا بتؤدَةٍ وطُمأنينةٍ، والمُكوثِ فيهَا بوقارٍ وسَكينةٍ، وعدمِ رفعِ الصوتِ أو الانشغالِ بالبَيعٍ والشراءِ وإنشْادِ الضَالةِ، وغيرهَا مِنْ أمورِ الدُنيَا بينَ جنبَاتِهَا، وتَخَطِي الرِقَابِ لا سيمَا فِي صَلاةِ الجُمعَةِ؛ لِمَا وَردَ فِي ذلكَ مِنْ النَّهي عَلى لسَانِ مُعَلِمِ النَّاسِ الخَيرَ.

 

إخوانِي المُصلينَ لقدْ جِئنَا إلى المَسَاجِدِ لنُطيعَ اللهَ لا لنعصِيَهُ، ونعبدَهُ لا لنغضِبَهُ؛ فحذارِ مِنَ المُخالفَاتِ الشرعِيةِ خَاصةً أصوَاتَ الجوالاتِ والمعَازفِ، حتَى يسلَمَ لكم دِينُكُم.

 

قَالَ النبيُ صلى الله عليه وسلم في السَبْعَةِ الذينَ يُظلهُم اللهُ في ظِلِهِ يَومَ لا ظِلَ إلا ظلُهُ: «ورَجَلٌ قلبُهُ مُعلقٌ بَالمسَاجِدِ». (مُتفقٌ عَليهِ) [8].

 


[1] للشيخ محمد السبر، قناة التلغرام https://t.me/alsaberm

[2] سورة الأعراف: الآية 31.

[3] تفسير ابن كثير (3/ 402).

[4] التمهيد (6/ 369).

[5] أخرجه مسلم رقم (91).

[6] أخرجه البخاري رقم (816)، ومسلم رقم (564).

[7] أخرجه مسلم برقم (564).

[8] أخرجه البخاري رقم (629)، ومسلم رقم (1031).

  • 1
  • 0
  • 130

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً