حكم بيع البضاعة قبل حيازتها

محمد الحسن الددو الشنقيطي

  • التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال: ما حكم الربح من بضاعة لم تدخل ذمة المستفيد، علماً بأن صاحبها الأول مرخص له بذلك؟
الإجابة: إن البضاعة تنقسم إلى قسمين إلى طعام وغيره، والطعام هو الذي عرفه الفقهاء بأنه ما يؤكل شهوة وتفكها، كما قال محمد مولود رحمه الله:

وكل ما تأكله تفكها

وشهوة فهو طعام الفقها

أي فهو الطعام عند الفقهاء، وما ليس طعاماً هو النوع الثاني من أنواع البضائع.

فالبضائع التي هي من جنس الطعام لا يحل للإنسان أن يبيعها إذا اشتراها ما لم يحزها، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، وثبت في ذلك ثمانية أحاديث صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، وفيها النهي عن بيعه حتى يجري فيه الصاعان، أي صاع البائع وصاع المشتري، وكذلك حتى يحوزه التجار إلى رحالهم.

وفي هذا حكمة شرعية عجيبة، وهي أن الله تعالى لم يرد أن يكون المال دولة بين الأغنياء ويحرم منه الفقراء، فالفقراء لهم حظ فيه، فإذا كان الإنسان يشتري مثلاً مائة طن من السكر أو من الأرز ويبيعها وهي في مكانها في مخازنها لا تخرج إلى الشارع ولا يراها الفقراء فإن المال سيكون دولة بين الأغنياء فقط، من لديه السيولة يشتريها ويبيعها وهي في مخازن المستورد الذي أتى بها، لكن إذا أخرجت فإن صاحب العقار يستأجر من عنده العقار لتخزينها، وصاحب السيارة تستأجر من عنده للشحن، والعامل البسيط يستأجر أيضاً لحملها وإنزالها، وحتى رؤيتها في الشارع رؤية المواد الغذائية في الشارع مما يؤدي إلى الاستقرار وطمأنينة الناس أن الأرزاق موجودة متوافرة، فهذه من حكم الشارع في هذا.

أما غير الطعام فهو محل خلاف بين أهل العلم هل يلحق بالطعام أم لا، فمذهب أبي حنيفة رحمه الله أن كل شيء مثل الطعام، واستدل بما أخرجه البخاري في الصحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما وهو راوي هذا الحديث قال: "ولا أرى كل شيء إلا مثل الطعام"، وهذا قياس من ابن عباس وقد عمل به أبو حنيفة رحمه الله.

لكن مذهب الجمهور اختصاص ذلك بالطعام، وذكروا أن الأحاديث التي جاء فيها النهي عن بيع الإنسان لمشتراه ما لم يحزه بالإطلاق تحمل على التقييد، المطلق فيها يحمل على المقيد، وعلى هذا فالطعام وحده لا يحل الربح منه بالصورة المسؤول عنها، لا يحل للإنسان أن يبيعه قبل أن يحوزه.

والحيازة لا يكفي فيها ما يفعله بعض الناس أن يضع عليه علامة أو أن يحدده في المخزن لدى المشترى منه، فهذا لا يكفي لا بد أن ينقله من مكانه، حتى يتكلف فيه تكلفة.

وأما غير الطعام كالإسمنت أو الحديد أو غير ذلك من المواد والبضائع فهذه إذا اشتراها الإنسان ووجد فيها ربحاً فوق ما اشتراها به وهي في مكانها يجوز له أن يبيعها في مكانها عند جمهور أهل العلم خلافاً للحنفية وحدهم، وعلى هذا فينظر إلى المادة نفسها إذا كانت طعاماً لم يجز بيعها قبل قبضها واستلامها، وإذا كانت غير طعام جاز بيعها.

وهنا لا بد من التنبيه إلى أن القبض يختلف باختلاف المواد نفسها، فالمواد المجلوبة من الخارج إذا كانت في الشحن على ذمة المشتري، فأنت اشتريت البضائع من أسبانيا مثلاً، وشحنتها في الحاوية في البحر فكانت في ضمانك أنت فيجوز لك بيعها حينئذ لأنك قد نقلتها وصارت في ذمتك، أما إذا كان البائع هو الذي يتولى ضمانها حتى تصل إلى الميناء المحلي فلا يجوز بيعها قبل قبضها من الميناء المحلي، وعادة أهل البلد هنا أن المواد تدخل في ضمان المشتري بمجرد استلامها في ميناء التوريد أي في الميناء الأول، الذي تشحن منه، وكذلك الشحن في الطائرات ونحوه، ومثل هذا الشحن في السيارات كمن كان في الداخل مثلاً له محل تجاري في: "النعمه" أو في: "كيفه" واشترى المواد من هنا وشحنها في السيارة وانطلقت إلى مكانه ولم تصل بعد فيجوز له بيع تلك البضائع لأنها عنده وهي في ضمانه، وقد شحنها من مكانها ودخلت في ضمانه.

أما إذا كان صاحب البضاعة هو الذي يحملها ويؤديها إليه فلا يحل له بيعها قبل أن تصل إليه وتدخل في ضمانه هو، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، ولا عبرة بترخيص البائع في ذلك لأنك أنت قد اشتريت منه ودخلت في ملكك أنت وتورث عنك إذا مت وهي في ضمانك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.